(تَرَبَّصُونَ بِنا) الشر (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) العذاب بكم ، هم كانوا لا يتربصون بنا إلا الدوائر والهلاك ، وهو ما ذكر في آية أخرى حيث قال : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ) [التوبة : ٩٨] هم كانوا لا يتربصون بنا الحسنى ، ولكن ما ذكرنا من الدوائر ، لكن ذلك وإن كان عند أولئك المنافقين هلاك ودائرة ، فهو للمؤمنين الحسنى في الآخرة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ).
قال بعضهم : الآية في الجهاد ، أن (١) المنافقين كانوا يؤمرون بالجهاد والقتال مع الكفرة على [ما](٢) أمر أهل الإيمان بذلك ، ثم منهم من كان يخرج (٣) للجهاد ، ومنهم من كان يجهز غيره ويقعد ، ومنهم من كان يخرج كارها ، ونحوه ، فنزل قوله : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) ، أي : خوفا ، (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ).
ومنهم من قال : الآية في الزكاة ؛ أن الله ـ عزوجل ـ فرض الزكاة في أموال المؤمنين ، والمنافقون قد أظهروا الإيمان ، وكانوا ينفقون ، ويؤدون الزكاة ، لكن منهم من كان يؤدي طوعا ، ومنهم من يؤدي كرها ، فقال : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) ؛ لأنهم كانوا لا يرون الزكاة قربة ، وكانوا ينفقون وهم كارهون في الباطن.
ألا ترى أنه قال : (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) ؛ دل أنهم كانوا ينفقون جميعا وهم كارهون لذلك في الباطن ، ثم بين ما به لم يتقبل نفقاتهم ، وهو ما ذكر : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ).
وقال : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) في الآية وجهان :
أحدهما : دلالة إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ، وهم في الظاهر كانوا يأتون الصلاة على ما كان يأتي المؤمنون ، ثم أخبر أنهم يأتونها كسالى ؛ دل أنه إنما عرف ذلك بالله ، تعالى.
وكذلك أخبر أنهم ينفقون وهم كارهون لذلك ، وكانوا ينفقون في الظاهر مراءاة لموافقيهم ، ثم أخبر أنهم كانوا كارهين (٤) لذلك في السر ؛ دل أنه إنما علم ذلك بالله
__________________
(١) في أ : دون.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : مخرج.
(٤) لأنهم يرون الإنفاق في سبيل الله مغرما ، وتركه مغنما. وفي الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا ، وابتغي به وجهه» ، رواه النسائي عن أبي أمامة. وقال تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
ينظر : تفسير القاسمي (٨ / ٢٣٦).