تعالى.
والثاني : ألا تقوم قربة ولا تقبل إلا على حقيقة الإيمان الذي هو شرط قيام هذه العبادات وقبول القرب ، لا أن أنفسها إيمان ؛ لأنهم كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر ؛ دل أنه ما ذكرنا ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ).
أي : إنكم كنتم فاسقين.
ويحتمل قوله : (كُنْتُمْ) ، أي : صرتم فاسقين بما أنفقتم وأنتم كارهون ؛ إذ هم قد أظهروا الإيمان ثم تركوه ؛ كقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) [المنافقون : ٣] أخبر أنهم آمنوا ثم كفروا ؛ فعلى ذلك الأول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) وكسلى وكسالى فيه لغات ثلاثة والمعنى واحد (١) ، وهو أنهم لا يأتون الصلاة إلا مستثقلين ؛ لأنهم كانوا لا يرونها قربة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
قال بعضهم (٢) : هو على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم [في الحياة الدنيا](٣) ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة وفي الحياة الدنيا.
والتعذيب في الدنيا : هو ما فرض عليهم الجهاد وأمروا بالخروج للقتال ، فكان يشق ذلك عليهم ويشتد ، فذلك التعذيب لهم ، وهو ما ذكر في آية أخرى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا
__________________
(١) التكاسل : التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه ، وغلب فيمن قلت مروءته وتقاعد عن شغله. يقال : رجل كسل وكسلان ، والجمع كسالى وكسالى نحو : سكارى وسكارى ، جمع سكران.
والمكسال : المرأة المتنعمة الفاترة عن القيام ، وهو كناية عن ضخامتها وسمنها وتنعمها ، كما قيل : [من الرجز].
يقعدها من خلفها الكفل
والكسل مذموم ؛ ولذلك تعوذ منه نبينا صلىاللهعليهوسلم فقال : «أعوذ بالله من الكسل والفشل». وفحل كسل : كسل عن الضراب. وفلان لا تكسله المكاسل : أي لا ينثني عما يقصده وإن خوّف منه وثبّط.
وقراءة حمزة والكسائي وورش : كسالى بالإمالة. ينظر : إتحاف الفضلاء (٢٤٣) ، والغيث للصفاقسي (٢٣٨) ، وعمدة الحفاظ (٣ / ٤٦٥ ، ٤٦٦).
(٢) أخرجه بمعناه ابن جرير (٦ / ٣٩٠ ـ ٣٩١) (١٦٨١٩).
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٤٧) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة لابن أبي حاتم عن السدي.
(٣) سقط في أ.