على موسى في طور سيناء ، وظهر على عيسى في جبل ساعور ، واطلع على محمد في جبل فاران ، ثم العجب أن كيف اجترأ موسى بالسؤال بسؤال مثله؟! (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، لكنه يحتمل وجوها :
أحدها : على الأمر بالسؤال على ذلك ؛ ليعلم أنه يرى ، ويعتقدوا ذلك.
أو على الظن منه لما رأى أنه أعطاه أشياء لا يكون مثلها في الدنيا إنما يكون في الآخرة ، خص بها ؛ من نحو انفجار العيون من الحجر من غير مئونة تكون لهم في ذلك من حفر الأنهار وإصلاحها وأنواع المؤن ، ونحو ما أعطاهم من اللباس الذي ينمو ويزداد على قدر قامتهم وطولهم ، ومن نحو ما أعطاهم من المن (١) والسلوى (٢) على غير مئونة ولا جهد ، وذلك كله وصف الجنة ، فلما رأى ذلك ظن أن الرؤية ـ أيضا ـ تكون في الدنيا على ما كان له من أشياء لم يكن مثلها لأحد في الدنيا ، أو لمّا رأى أنه سمع كلام ربه ، وألقى [على](٣) مسامعه كلامه لا من مكان ، ولا من قريب ، ولا [من](٤) بعيد ، [ولا من أسفل ،](٥) ولا من أعلى ، ولا من فوق ، ولا من تحت ، لكنه سمعه (٦) بما شاء ، وكيف
__________________
ـ محمد ، صلىاللهعليهوسلم.
ينظر : مراصد الاطلاع (٢ / ٦٨٣) ، (٣ / ١٠١١ ، ١٠١٢).
(٥) في أ : وجه.
(١) قيل : هو التّرنجبين ، وقيل : هو صمغة حلوة تنزل على الشجر ، وقيل : هو شيء كالطل فيه حلاوة يسقط على الشجر ، وقيل : المن والسلوى ؛ إشارة إلى ما أنعم الله به عليهم ، وهما شيء واحد ؛ سماه منّا من حيث إنه امتن به عليهم ، وسماه سلوى من حيث إنه كان لهم به التسلي.
ينظر : عمدة الحفاظ (٤ / ١٣٢).
(٢) قيل : هو طائر يشبه السمانى ولا واحد له. وقيل : السلوى ـ هنا ـ التسلي والسلوان ، وهو ما يسلي الإنسان من أحزانه وكمده.
قال ابن عباس : المن كان ينزل من السماء ، والسلوى : طائر. قال بعضهم : أشار بذلك إلى رزق الله تعالى عباده من النبات واللحوم ، فأورد ذلك مثالا. يقال : سلوت عنه ، وسليت وتسليت : إذا زالت عنك محبته. والسلوان : خرزة كانوا يحكّونها ويشربونها ؛ يتداوون بذلك من العشق. ومن مجيء «سلي يسلى» قول الشاعر :
إذا ما شئت أن تسلى خليلا |
|
فأكثر دونه عدّ الليالي |
وقيل : السلوى : العسل ، وأنشد :
وقاسمها بالله جهدا لأنتم |
|
ألذ من السلوى إذا ما نشورها |
ينظر : عمدة الحفاظ (٢ / ٢٥١).
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : لا من أسفل.
(٦) في أ : سمع.