وقال الحسن : إن موسى سأل ربه الرؤية في غير وقت الرؤية ، وهو يقر بالرؤية ، لكنه يقول : سألها في الدنيا وبنية هذا العالم لا تحتمل ذلك.
ألا ترى أنه قال : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) ، أخبر أن الجبل لا يستقر له ، فكيف تستقر أنت؟ لكنه ينشئ بنية تحتمل ذلك.
وقال الحسن (١) : لذلك قال موسى : إنى (تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) أن ليس في الدنيا الرؤية ، إلى نحو هذا يذهب الحسن ، وقد ذكرنا نحن الوجه على قدر ما حضر لنا.
وقال أهل التأويل : قوله : (تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) ، أي : ظهر ، لكن لا يفهم من ظهوره ما يفهم من ظهور الخلق على ما ذكرنا في قوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] وقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] [وغيرهما](٢) من الآيات ، لا يقدر استواؤه باستواء الخلق ، وكذلك مجيئه ، فعلى ذلك ظهوره ، وبالله العصمة. وروي أن في التوراة «أنه جاء من طور سيناء (٣) ، وظهر من جبل ساعور واطلع من جبل فاران» (٤) وتأويله جاء وحيه (٥)
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٥ ـ ٥٦) (١٥١٠٢ ، ١٥١٠٣) عن أبي العالية ، (١٥١٠٤ ، ١٥١٠٥) عن ابن عباس بنحوه.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٢٣) وزاد نسبته لابن المنذر عن ابن عباس ولعبد بن حميد وأبي الشيخ عن أبي العالية.
(٢) في ب : وغيره.
(٣) الطور : جبل بيت المقدس ، ممتد ما بين مصر وأيلة ، سمي بطور بن إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهماالسلام ـ وهو الذي نودي منه موسى ، قال تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) [القصص : ٤٦] وهو طور سيناء ، قال الله سبحانه : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ) [المؤمنون : ٢٠].
وقال في موضع آخر من كتابه : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ)[التين : ١ ـ ٢] ومعناهما واحد. روي عن ابن عباس ومجاهد أن معناه : جبل مبارك.
وقال قتادة وعكرمة : معناه : حسن. قالا : وهي لغة الحبش ، يقولون للشيء الحسن : سينا سينا. وقال معمر عن ابن الكلبي ومحمد بن ثور : معناهما : جبل ذو شجر.
قال بعض اللغويين : لو كان المعنى ما روي عن هؤلاء ، لكان «الطور» منونا ، وكان قوله : «سيناء» من نعته ، وإنما سيناء اسم أضيف إليه «الطور» ، يعرف به كما يقال : جبلا طيئ.
وقال ابن أبي نجيح : الطور : الجبل. وسيناء : الحجارة ، أضيف إليها. قال إبراهيم بن السري : وتفتح السين من «سينا» ، فيقال : سيناء ، على وزن صحراء ، وليس في الكلام على وزن «فعلاء» بالكسر والألف للتأنيث إنما يكون للإلحاق ، نحو «علباء» ، إلا «سيناء» هنا : اسم للبقعة ، ولا تنصرف.
ينظر : معجم ما استعجم (٣ / ٨٩٧ ـ ٨٩٨).
(٤) قال في المراصد : ساعير في التوراة : اسم لجبال فلسطين ، وهي قرية من الناصرة ، بين عكا وطبرية. وفاران : مذكور في التوراة في قوله تعالى : جاء الله من سيناء ، وأشرف من ساعير ، واستعلن من فاران.
فساعير : جبال فلسطين ، وهو إنزاله الإنجيل على عيسى.
وفاران : مكة أو جبالها على ما تشهد به التوراة. واستعلانه منها : إنزاله القرآن على رسوله ـ