موسى مشبها ، وإما أن كان الله يرى ؛ لأنه لو كان بالذي لا يرى فسأل (١) ربّه رؤيته ، كان جاهلا به ، مشبها خلقه به ، فدل أنه يرى.
ثم الأصل أن من تأمل الذي ذكره الكعبي عرف أنه مشبهي المذهب ؛ لأنه لم يذكر المعنى الذي له يجب أن تكون الرؤية بتلك الشرائط ، إنما أخبر أنه كذلك وجد ، وهو قول المشبهة أنه وجد كل فاعل في الشاهد جسما ، وكذا كل عالم ، فيجب مثله في الغائب ، ثم ذكر معنى رؤية الجسم ، ولم يذكر معنى رؤية غير الجسم حتى يكون له دليلا.
وبعد ، فإنه نفي بالدقة والبعد وهما زائلان عن الله تعالى ، ثم احتج بامتداح الله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] ، وقال : لا يجوز أن يزول فمثله عليه في قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢] وقوله : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٢٠] ، فلا يجوز أن يزول ، ثم قد وصف الله بالرؤية على إسقاط ما ذكر ، فثبت أن ذلك طريق لا يؤدي عن (٢) كنه ما به الرؤية.
فإن قيل : كيف يرى؟
قيل : بلا كيف ؛ إذ الكيفية تكون لذي صورة ، بل يرى بلا وصف قيام ، وقعود ، واتكاء ، وتعلق ، واتصال ، وانفصال ، ومقابلة ، ومدابرة وقصر ، وطول (٣) ، ونور ، وظلمة ، وساكن ، ومتحرك ، ومجانس ، ومباين ، وخارج ، وداخل ، ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ...) الآية.
قال أبو بكر الأصم : تجلي بالآيات والأعلام التي بها يرى [لا رؤية الذات](٤) ، وكذلك قال في قوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) : إنه إنما سأل ربه الآيات والأعلام التي [بها](٥) يرى لا رؤية الذات ، وقد بينا بعده وإحالته ؛ لما قد أعطاه من الآيات والأعلام : [ما فيه] غنية عن غيرها ، فلا يحتاج إلى غيرها.
__________________
ـ النسب إلى البصرة : بصري ، وبصري. وقال أبو بكر : سميت البصرة ؛ لأن أرضها التي بين العقيق وأعلى المربد حجارة رخوة ، وهو الموضع الذي يسمى الحزيز.
ينظر : معجم ما استعجم (١ / ٢٥٤).
(١) في أ : فسأله.
(٢) في ب : في.
(٣) في ب : قصير وطويل.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.