قال : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ) والعباس قد أسلم من بعد ، فلا يحتمل هذا الوعيد بعد الإسلام.
وقال غيرهم من أهل التأويل : قوله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) ، أي : ما كان بالمشركين (١) عمارة مساجد الله ، إنما كان بهم خراب مساجد الله ، إن المساجد إنما تعمر بالذكر فيها ، والصلاة وإقامة الخيرات ؛ كقوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) الآية [النور : ٣٦] ، وهم لم يعمروها لذكر اسم الله فيها ، إنما عمروها لذكر الأصنام والأوثان ، فكان بهم خراب المسجد ، لا العمارة.
وقال بعضهم : قوله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) على ما عندهم ؛ لأن الذي منعهم عن الإيمان بالله حبهم الدنيا وميلهم إليها ، فما (٢) ينبغي لهم أن يعمروها وينفقوها ، ويضيعوا أموالهم فيها ، ولا ينتفعوا ، [أي الذي](٣) منعهم عن التوحيد والإيمان حبهم الدنيا ، وشهواتهم ، وميلهم إليها ؛ فعلى ما عندهم ما ينبغي لهم أن يعمروها.
وقال بعضهم : قوله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) أي : ما كان على المشركين أن يعمروا مساجد الله ؛ لأنهم لا ينتفعون بها في الآخرة ، [و] لا يؤمنون بالآخرة ، وإنما يقصد بعمارة المساجد والإنفاق عليها الثواب في الآخرة ، وهم لا يؤمنون بها ، فتضيع نفقتهم في ذلك ؛ إذ لا مقاصد لهم ولا منفعة ، إنما ذلك على المسلمين.
ويجوز «له» بمعنى عليه ؛ كقوله : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] ، أي : فعليها.
وقوله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) يحتمل هذا : أي : ما كان بالمشرك عمارة مساجد الله ، إنما تكون عمارته بمن آمن بالله واليوم الآخر ، لا بمن أشرك بالله وكفر بالآخرة.
وقوله : (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) قال بعضهم : (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) ، أي : على نفس محمد ومن آمن معه ؛ سماهم أنفسهم ؛ لأنهم من قرابتهم وأرحامهم ، وقد سمى الله المتصلين بهم بذلك ؛ كقوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] ، وقوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١] ؛ فعلى ذلك الأول يحتمل ما ذكرنا.
أو (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) عند الضرورات عند نزول العذاب بهم ، وعند
__________________
(١) في ب : للمشركين.
(٢) في أ : مما.
(٣) سقط في أ.