(وَاللهُ عَلِيمٌ).
بما كان ويكون ، أي : عن علم بما كان منهم خلقهم ، لا عن جهل ؛ إذ خلقه إياهم ليس لمنافع نفسه وحاجته ، إنما خلقهم لحاجتهم ومنافعهم (حَكِيمٌ) وضع كل شيء موضعه.
ويحتمل : (عَلِيمٌ) : بما كان من هؤلاء من التكذيب لرسول الله والكفر بآياته ، (حَكِيمٌ) أي : فيما جعل عليهم من القتل والتعذيب والخزي كأنه وضع الشيء موضعه.
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧) إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(١٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ).
وأيضا قوله : [(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران : ١٤٢] وقوله أيضا](١) : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) الآية [البقرة : ٢١٤] ، وقوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ...) الآية [العنكبوت : ٢] ، هذه الآيات كلها في المنافقين الذين أظهروا الإيمان باللسان ، وأروا (٢) المؤمنين الذين حققوا الإيمان وأخلصوا الإسلام (٣) الموافقة لهم ، فقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا) على ما أظهرتم من الإيمان باللسان فلا تبتلون بالقتال ؛ جعل الله ـ تعالى ـ القتال مع الكفرة ـ والله أعلم ـ وأمر به لمعنيين :
أحدهما : تطهيرا للأرض من الكفر ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال : ٣٩].
والثاني : امتحانا للمنافقين ؛ ليبين نفاق من أظهر الإيمان باللسان مراءاة ، وصدق من أظهره حقيقة ؛ ليعرف المحق المخلص من المنافق المرائي ؛ لأن القتال هو أرفع أعلام يظهر بها نفاق المنافق ؛ لأنهم إنما كانوا يظهرون الموافقة لهم ؛ طمعا (٤) في الدنيا ؛ لتسلم
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : ورأوا.
(٣) في أ : الإيمان.
(٤) في أ. طمعا لهم.