ذلك ، وبالله التوفيق.
ثم استدل بأنه لم ير من يعقل إنما أري الجبل والجبل لا يعقل ليعلمه وليراه ، فيقال له : ولو كانت الآية (١) فالجبل لا يراها ولا يعقل ، وإذا كان كذلك فالآية إذا صار اندكاك الجبل وانشقاقه لا أن أراه الآية يستدل بها ، وفي هذا آية قد أرى موسى الآية ، وهو اندكاك الجبل ، والله يقول : (لَنْ تَرانِي) ، وحملته على الآية ، وقد رآها ، ولا قوة إلا بالله.
فإن قيل : ما معنى توبته لو كان سؤاله على الأمر؟
قيل : على العادة في الخلق من يحدثه عند الأهوال بلا حدوث ذنب ، أو لما رأى من جلال الله وعظمته فزع إلى التوبة وإحداث الإيمان به ، وإن لم يكن ما يوجب ذلك ، وذلك متعارف في الخلق.
ويحتمل أن يكون قوله : (لَنْ تَرانِي) كان عنده جواز الرؤية في الشاهد ، واحتمال وسعه ذلك بما وعد الله في الآخرة فرجع عما كان عنده ، وآمن بالذي قال : (لَنْ تَرانِي) ، وإن كان في الأصل (٢) إيمانه داخلا على نحو إحداث المؤمنين الإيمان (٣) بكل آية تنزل ، وبكل فريضة تتجدد ، وإن كانوا في الجملة مؤمنين بالكل ، والله الموفق.
وقد بيّنا ما قالوا في قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] ، والأصل في الكلام أنه إذا كان على أمر معهود ، أو يقرن به المقصود إليه صرف عن حقيقته ، وإلا لا ، وذلك نحو قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) [الفرقان : ٤٥] ، وأ لم تر كيف فعل ربك.
وأصله : أن من قال : رأيت فلانا ، أو نظرت إلى فلان ، لم يحتمل غير ذاته ، وإذا قال : رأيته يقول كذا ، ويفعل كذا ، أنه لا يريد به رؤية ذاته ، فمثله أمر قصة موسى ، وهذه الآية.
وروي عن ضرار بن عمرو (٤) أنه أتى البصرة (٥) ، فقال : يا أهل البصرة ، إما أن كان
__________________
(١) في ب : آية.
(٢) في ب : أصل.
(٣) في ب : لإيمان المؤمنين.
(٤) ضرار بن عمرو الغطفاني : قاض من كبار المعتزلة ، طمع برياستهم في بلده ، فلم يدركها ، فخالفهم ؛ فكفروه وطردوه ، وصنف نحو ثلاثين كتابا ، بعضها في الرد عليهم وعلى الخوارج ، وفيها ما هو مقالات خبيثة. وشهد عليه الإمام أحمد بن حنبل عند القاضي سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فأفتى بضرب عنقه ، فهرب ، وقيل : إن يحيى بن خالد البرمكي أخفاه. قال الجشمي : ومن عده من المعتزلة فقد أخطأ ؛ لأنا نتبرأ منه فهو من المجبرة.
ينظر : الأعلام (٣ / ٢١٥) ، ولسان الميزان (٣ / ٣٠٣) ، وفضل الاعتزال (٣٩١).
(٥) البصرة بالعراق معروفة ، والبصرة : هي الحجارة الرخوة تضرب إلى البياض ، قال ذو الرمة وذكر حوضا : (جوانبه من بصرة وسلام) ، فإذا حذفوا الهاء قالوا : بصر ، فكسروا الباء ؛ ولذلك قيل في ـ