(لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٥] ، وغير ذلك.
وبعد ، فإنه إذ لا يجوز أن يصير علم العيان (١) بحق (٢) علم الاستدلال (٣) ، لم يجز أن يصير علم الاستدلال بحق (٤) علم العيان ، فثبت أن الرؤية توجب ذلك.
وبعد ، فإن في ذلك العلم يستوي الكافر والمؤمن والبشارة بالرؤية خصّ بها المؤمن ، ولا قوة إلا بالله.
ولا نقول بالإدراك ؛ لقوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] ؛ فقد امتدح بنفي الإدراك لا بنفي الرؤية ، وهو كقوله : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١٠] ، كان في ذلك إيجاب العلم ، ونفي الإحاطة ، فمثله في حق الإدراك ، وبالله التوفيق.
وأيضا إن الإدراك إنما هو الإحاطة بالمحدود ، والله يتعالى عن وصف الحدّ ؛ إذ هو نهاية وتقصير عما هو أعلى منه على أنه واحدي الذات ، والحدّ وصف المتصل الأجزاء حتى ينقضي مع إحالة القول بالحد ؛ إذ كان كل (٥) ما يحد أو به يحد ، فهو على ذلك لا يتغير ، على أن لكل شيء حدّا يدرك سبيله نحو الطعم واللون والذوق والحد ، وغير ذلك من الحدود (٦) وخاصية الأشياء ، جعل الله لكل شيء من ذلك وجها يدرك ويحاط به ، حتى العقول والأعراض ، وأخبر الله تعالى أنه ليس بذي حدود وجهات من (٧) طرق إدراكه بالأسباب الموضوعة لتلك الجهات ، وعلى ذلك القول بالرؤية والعلم جميعا ، ولا قوة إلا بالله.
وبعد ، فإن القول بالرؤية يقع على وجوه لا يعلم حقيقة كل وجه من ذلك إلا بالعلم بذلك الوجه حتى إذا عبر عنه بالرؤية صرف إلى ذلك ، وما لا يعرف له الوجه (٨) بدون ذكر الرؤية لزم الوقف في ماهيتها (٩) على تحقيقها.
__________________
(١) ويقصد به علم المشاهدة ، يقال : عاينه معاينة وعيانا : رآه بعينه ، ولقيته عيانا ومعاينة : لم أشك في رؤيتي إياه ، وفي المثل : ليس الخبر كالعيان. ينظر : المعجم الوسيط (١ / ٦٤١) (عين).
(٢) في أ : نحو.
(٣) الاستدلال في اللغة : طلب الدليل ، وفي عرف الأصوليين يطلق على إقامة الدليل مطلقا من نص أو إجماع أو غيرهما ، وعلى نوع خاص منه أيضا ، فقيل : هو ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس. وعليه فهو علم النظر في الدليل ، أو هو علم بإقامة الدليل ليشمل ما يتعلق بالدليل.
ينظر : كشاف اصطلاحات الفنون (٢ / ٢٩٩).
(٤) في أ : نحو.
(٥) في ب : إذا كان ولا.
(٦) في ب : حدود.
(٧) في أ : هي.
(٨) في أ : الوجد.
(٩) في أ : مائيتها.