__________________
ـ حتى يظهر صحة الوصف به لعلاقة الدالية والمدلولية.
وحيث يوصف بما هو من لوازم المحدثات ، فالمراد به الألفاظ المنظومة كما في قولنا : قرأت نصف القرآن الكريم ، أو المخيلة كما في قولنا : حفظت القرآن الكريم ، أو الأشكال المنقوشة كما يقال : يحرم على المحدث مس القرآن الكريم.
وقد يعترض على ما ذكر بأنه مناف لما ذكره علماء الأصول من أن القرآن الكريم هو المكتوب في المصاحف ، وأنه اسم للنظم والمعنى جميعا.
والجواب عن ذلك : لما لم يكن متعلقا بالمعنى الأزلي بل هو متعلق بالألفاظ ؛ لأنها أدلة الأحكام الشرعية ـ عرفوه بأنه المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، وجعلوه اسما للنظم من حيث الدلالة على المعنى لا مجرد المعنى.
ينظر : تحقيق صفة الكلام لحافظ محمد مهدي ص (٥١ ـ ٦٩ خ).
(٢) وفعل الله تعالى نوعان :
ـ نوع أبدعه كاملا ، ولا يزيد ولا ينقص ، إلى أن يشاء فناءه أو تبديله كالسماوات.
ـ ونوع جعل أصوله موجودة بالفعل ، وأجزاءه موجودة بالقوة ، وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه ، كتقديره في بذور القمح أن ينبت منها القمح دون غيره من النباتات ، وتقديره لمني الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات.
نسبة الفعل بين الرب والعبد :
نلاحظ أن الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، قد تنسب بعض الأفعال التي نعلم يقينا أنها من فعل الله تعالى ، ومن مظاهر قدرته عزوجل ـ تنسبها إلى العبد ، وذلك باعتبار أنه كان سببا فيها ، وباشر إيجادها ، من أمثلة ذلك :
ـ نعلم أن الذي يهب الذرية هو الله تعالى ، قال سبحانه : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشورى : ٤٩ ـ ٥٠] ، ونرى أن القرآن الكريم ينسب ذلك إلى جبريل ـ عليهالسلام ـ قال سبحانه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)[مريم : ١٦ ـ ١٩].
ـ نعلم أن الذي يدبر الأمر هو الله جل في علاه.
ونرى القرآن الكريم ينسب ذلك إلى بعض الملائكة ، قال سبحانه : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً* وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً* وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً* فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً* فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً)[النازعات : ١ ـ ٥].
ـ نعلم أن الله تعالى هو الذي يرزق عباده ، ومع ذلك نراه ينسب الرزق إلى الخلق ، قال سبحانه : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)[النساء : ٥].
وقال عزوجل : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً)[النساء : ٨].
ـ والذي يفرج الكروب هو الله تعالى ، والذي ييسر الأمور هو الله تعالى ، والذي يستر العباد هو الله تعالى.
ومع ذلك نجد الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ينسب ذلك إلى العباد ، فيقول في الحديث الصحيح : «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.» ـ