يصليها إذا ذكرها أو إذا استيقظ ، وذلك كفارته» (١) ؛ وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) ، ليس على الفعل ، ولكن في حق الاعتقاد أنه لا سبيل إلى القيام بفعل ما ذكر إلا بعد حول (٢) ووقت طويل.
وفي هذه الآية دلالة على أن ليس بين الشرك والإيمان منزلة ثالثة ؛ على ما يقوله المعتزلة في صاحب الكبيرة ؛ لأنه لو كان بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة ، لكانوا إذا انتهوا عن الكفر ولم ينتهوا عن تلك المنزلة لا يغفر لهم ؛ على قولهم ؛ فدل ما ذكر من المغفرة على أن ليس بينهما منزلة ، ولكن إذا انتهوا عن الكفر دخلوا في الإيمان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ).
قال بعضهم (٣) : (وَإِنْ يَعُودُوا) إلى الكفر وقتال محمد بعد ما انتهوا عنه ، (فَقَدْ مَضَتْ ...) ، يعني : القتال.
ويحتمل أن يكون قوله : (يَعُودُوا) أي : ما داموا فيه (٤) ، لا أن كانوا خرجوا منه ؛ نحو قوله ـ تعالى ـ : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [البقرة : ٢٥٧] كانوا فيه ، لا أن كانوا خرجوا منه ثم دخلوا في غير ذلك.
ثم يحتمل وجهين بعد هذا :
أحدهما : أن للكفر حكم التجدد في كل وقت.
والثاني : ما ذكرنا أن ذكر العود فيه لدوامهم فيه وإن لم يخرجوا منه ، وذلك جائز في اللسان ؛ كقوله : (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) ابتداء إخراج من غير أن كانوا فيه ، وكقوله : (رَفَعَ السَّماواتِ) [الرعد : ٢] ابتداء رفع ، لا أن كانت موضوعة فرفعها من بعد ؛ فعلى ذلك قوله : (وَإِنْ يَعُودُوا) يحتمل : أي : داموا فيه.
وقوله : (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ).
مضت ، يحتمل ما ذكرنا من القتال.
والثاني : سنة الأولين : الهلاك الذي كان.
وقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ).
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٤٧٧) كتاب المساجد ومواضع الصلاة (٣١٤ / ٦٨٤) ، وانظر فيض القدير للمناوي (٦ / ٢٣١) حديث رقم (٩٠٥٩).
(٢) في ب : طول.
(٣) أخرجه ابن جرير (٦ / ٢٤٥) (١٦٠٨٨) عن ابن إسحاق بنحوه ، (١٦٠٨٩) عن السدي.
(٤) في ب : داموا فيها.