__________________
ـ استواء نسبته إلى جميع المتعلقات باطل ؛ فبطل ما أدى إليه.
بيان الملازمة : أن الكلام كالعلم في أن تعلقه بمتعلقاته يكون لذاته ، وكما أن علمه يتعلق بجميع ما يصح تعلقه به ؛ فكذلك كلامه يتعلق بكل ما يصح تعلقه به ؛ حيث إن الأشاعرة القائلين بالكلام النفسي نفوا أن يكون للفعل في ذاته حسن أو قبح ، بل حسنه وقبحه من الشرع ، فلو أمر بما نهى عنه أو نهى عما أمر به لانقلب الحسن قبيحا والقبيح حسنا ، وعلى ما ذكر يلزم تعلق أمره ونهيه بالأفعال كلها.
وأما بطلان التالي فواضح ؛ لما يلزم عليه من كون الفعل مأمورا به منهيّا عنه ، وهو محال ؛ لأن الأمر يستدعي تحصيل الفعل ليثاب عليه ، والنهي يقتضي ترك الفعل ليثاب على الترك.
فنتيجة الأمر : الإثابة على الفعل ، ونتيجة النهي : عدم الإثابة على الفعل ، بل العقاب عليه ، وبين الإثابة واللاإثابة تناقض ، وبين الإثابة والعقاب تنافر أيضا ؛ لأنه جمع بين الشيء والأخص من نقيضه ، وكلاهما محال.
والجواب عن هذا الدليل : أن الشيء القديم الصالح للأمور المتعددة قد يتعلق ببعض من تلك الأمور دون بعض كالقدرة ؛ فإنها تتعلق ببعض ما تعلقت به الإرادة دون ما لم تتعلق به.
فإن قيل : مخصص القدرة هو الإرادة ، فلا بد للكلام أيضا من مخصص ، ويعود الكلام إليه ؛ فيلزم التسلسل.
قلنا : تعلق الكلام ببعض دون بعض آخر كتعلق الإرادة لذاتها ببعض ما يصح تعلقها به دون بعض ؛ فلا تسلسل.
أما الأدلة النقلية فمن وجوه :
الوجه الأول : القرآن ذكر وهو محدث ؛ لقوله عزوجل : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ)[الأنبياء : ٥٠] وقوله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)[الزخرف : ٤٤] مع قوله عزوجل : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ)[الأنبياء : ٢] فإنهما يدلان على أن الذكر محدث وهو القرآن ؛ فيكون محدثا ، ويكون معنى الإتيان : ما يأتيهم من طائفة من القرآن نازلة تذكرهم أكمل تذكير وتبين لهم أتم تبيين.
وقوله عزوجل : (مِنْ رَبِّهِمْ) لابتداء الغاية متعلقة ب «يأتيهم» أو بمحذوف هو صفة ل «ذكر» ، وأيّا ما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه.
وهو عربي ؛ لقوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا)[الزخرف : ٣] والعربي هو اللفظ ؛ لاشتراك اللغات في المعنى. ومنزل على النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ بشهادة النص والإجماع ، ولا خفاء في امتناع نزول المعنى القديم القائم بذات الله تعالى ، بخلاف اللفظ ؛ فإنه وإن كان عرضا لا يزول عن محله لكن قد ينزل بنزول الجسم الحاصل له ، وقد روي أن الله ـ عزوجل ـ أنزل القرآن دفعة واحدة إلى سماء الدنيا فحفظته الحفظة ، ثم نزل منها بلسان جبريل ـ عليهالسلام ـ إلى المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ شيئا فشيئا بحسب المصالح.
فإن قيل : المكتوب في المصحف هو الصور والأشكال ، لا اللفظ ولا المعنى.
قلنا : بل اللفظ ؛ لأن الكتابة تصوير للفظ بحروف هجائية. نعم ، المثبت في المصحف هو الصور والأشكال.
فإن قيل : القديم دائم فيكون مقارنا للتحدي ضرورة ؛ فلا يكون ذلك من خواص الحوادث.
قلنا : معناه أن يدعو العرب إلى المعارضة والإتيان بالمثل ، وذلك لا يتصور في الصفة القديمة.
الوجه الثاني : قوله عزوجل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)[النحل : ٤٠] إذ معناه : إذا أردنا شيئا قلنا له : كن فيكون. فقوله : «كن» وهو قسم من أقسام الكلام ، متأخر عن الإرادة الواقعة في الاستقبال ؛ لكونه جزءا له ؛ فيكون حاصلا قبل وجود الشيء ، بقرينة الفاء ـ