__________________
ـ بالنسبة للحنابلة القائلين بقدم الألفاظ. وأما بالنسبة إلينا فيكون نصبا للدليل في غير محل الخلاف.
وأما ما دل على حدوث القرآن مطلقا بلا تقييد باللفظي أو النفسي فحيث يمكن حمله على حدوث الألفاظ ، لا يكون لهم فيه حجة علينا ، ولا يعطيهم فائدة وجدوى بالقياس إلينا ، إلا أن يدللوا على عدم المعنى الزائد على العلم والإرادة ، وحينئذ يفيدهم هذا ؛ لأنه على هذا التقدير ينحصر القرآن في هذه الألفاظ والعبارات ، ولا سبيل لهم إلى هذا البرهان ؛ فلا تكون لهم حجة أيضا في تلك الأدلة المطلقة. لكنا نذكر أدلتهم ، ثم نجيب عنها ، فنقول :
لقد ذهبت هذه الطائفة إلى نفي الكلام النفسي القديم واستدلت بأدلة معقولة ومنقولة ، أما أدلتهم المعقولة فدليلان :
الدليل الأول : لو كان كلامه ـ عزوجل ـ نفسيّا قديما للزم وجود أمر بلا مأمور ونهي بدون منهي ، وهكذا بقية الأنواع ، والتالي باطل فبطل المقدم.
دليل الملازمة : هو أن للكلام النفسي أنواعا : أمرا ، ونهيا ، وخبرا ، وغير ذلك ، وهي قديمة ؛ إذ الأنواع كالجنس في القدم والحدوث. والقطعي بأنه لا مأمور ولا منهي في الأزل ، وأما بطلان التالي فواضح ؛ لما يلزم عليه من السفه وهو محال على الله.
والجواب عن هذا الدليل : هو أنكم بينتموه على أن للكلام القديم في الأزل أنواعا وهو غير مجمع عليه من الأشاعرة ، فقد خالف ابن سعيد في ذلك وقال : إنه في الأزل واحد ، وإنما يصير متصفا بالأنواع المذكورة فيما لا يزال.
فإن قيل : عدم تنوعه في الأزل إلى الخمسة يستدعي وجود الجنس بدون واحد من أنواعه ، وذلك محال ؛ لأنه لا وجود للجنس إلا في واحد منها.
قلنا : ذلك مسلم في أنواع حقيقته لا تكون باعتبار التعلق ، أما الأنواع التي تكون بحسب التعلق فغير مسلم ، وما معنا من هذا القبيل ؛ فهي أنواع اعتبارية تحصل بحسب تعلقه بالأشياء ؛ فجاز أن يوجد جنسها بدونها أو معها.
وعليه فالكلام الأزلي ليس جنسا حقيقيّا ، بل هو أمر واحد تعرض له الإضافات ، وله أسماء بحسب كل إضافة نوعية. فإذا تعلق بالفعل على وجه يثاب عليه الفاعل ويعاقب عليه التارك يسمى أمرا. وهكذا الأربعة الباقية ؛ فليست له أنواع وليس هو جنسا على الحقيقة.
وهناك جواب آخر عن الدليل : وهو أن ما ذكر من استدعاء الأمر والنهي مخاطبا وإن سلم في الأمر والنهي اللفظيين إلا أنه غير مسلم في الأمر والنهي النفسيين ؛ إذ يكفي فيهما مخاطب ولو تنزيلا.
وأيضا يجاب عن هذا الدليل بجواب ثالث وهو : إنما يلزم السفه لو خوطب المعلوم وأمر في عدمه ، أما على تقدير وجوده بأن يكون الطلب ممن سيوجد كما في طلب الرجل تعلم ولده الذي لم يوجد ، وكما في خطاب النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ إلى كل مكلف يولد إلى يوم القيامة فلا سفه.
فحاصل هذا الدليل : أنه مبني عند الخصم على التنوع ، ومن الأشاعرة من لا يسلمه كابن سعيد. وعلى فرض التسليم فاستدعاء المأمور في اللفظي دون النفسي.
وعلى تسليم استدعاء النفسي مخاطبا فإن أريد وجود المخاطب بالفعل في الأزل فذلك الاستدعاء غير مسلم. وإن أريد وجود المخاطب وجودا عقليّا على معنى أنه يتعلق بالمعدوم في حال العدم خطاب يفهمه ويقوم بالامتثال به ، بعد وجوده مستجمعا لشروط التكليف ـ فالاستدعاء مسلم ، والعبث ممنوع.
الدليل الثاني : لو كان كلامه ـ عزوجل ـ قديما لاستوت نسبته إلى جميع المتعلقات ، ولكن ـ