__________________
ـ بحسب الفطرة كما في الخرس ، أو من جهة ضعفها كما في الطفولية ، ولقائل أن يقول : هذا إنما يصدق على الكلام اللفظي دون النفسي ، حيث السكوت والخرس إنما ينافيان التلفظ.
ويجاب بأن المراد بالسكوت والآفة الباطنيان ، بألا يريد في نفسه الكلام ، أو لا يقدر عليه ، ويتلخص في أنه كما أن الكلام لفظي ونفسي ، كذلك ضده وهو السكوت . والخرس : لفظي وباطني ، والمراد الثاني منهما حيث أريد بالكلام الكلام النفسي ، فالله منزه عن الاتصاف بالخرس والآفة.
هو بها آمر ناه : فهو صفة واحدة تتكثر بحسب التعلقات. فالكلام باعتبار تعلقه بشيء : خبر ، وبآخر : أمر أو نهي ، وبهذا يخرج العلم والقدرة. وهكذا سائر الصفات الوجودية غير الكلام ؛ لأنه لا أمر ولا نهي بواحدة منها.
أما غير الأشاعرة فيقولون : الكلام هو اللفظ المنتظم من الحروف والأصوات ، وينفون الصفة النفسية.
وهم في ذلك قد انقسموا إلى فريقين :
الفريق الأول : كلامه ألفاظ قائمة بذاته وهي قديمة ، وهم بعض الحنابلة ، أو حادثة ، وهم الكرامية.
والفريق الثاني يقول : كلام الله ألفاظ قائمة بالغير ، وهم المعتزلة.
فالحنابلة يعرفونه : بأنه المؤلف من الكلمات القديمة القائمة بذاته تعالى ، والكرامية يعرفونه : بأنه هو المؤلف من الكلمات الحادثة القائمة بذاته تعالى.
وحيث إن المعتزلة لم يعرفوه بالصفة النفسية فليس عندهم سوى الألفاظ وهي حادثة ؛ لأنها مرتبة ، ويستحيل قيام الحادث بالقديم فهم يقولون : إن كلامه ـ عزوجل ـ ألفاظ قائمة بغيره.
فهم يتجوزون بمتكلم عن موجد وخالق للكلام ، وعليه فالمعتزلة لا يثبتون كلاما لله إلا نفسيّا ، كما أثبته الأشاعرة ولا لفظيّا قديما ؛ لأن الألفاظ مرتبة والترتيب حادث. ولا لفظيّا حادثا كما قالت الكرامية ، بل يثبتون كلاما لا على أنه متصف به ، بل على أنه مخلوق قائم بغيره.
فالكلام عند المعتزلة هو المؤلف من الكلمات المسموعة الحادثة القائمة بغير الذات ، وهم بذلك خالفوا جميع الفرق.
أما أدلة الأشاعرة : على قدم كلام الله ـ عزوجل ـ وكونه نفسيّا ، فمن وجوه :
الأول من جهة اللغة : من قام به الكلام : من أن الكلام عندهم صفة نفسية قديمة قائمة بذاته تعالى ، فالمتكلم في اللغة من قام به الكلام ، لا من أوجده في غيره ـ كما قالت المعتزلة ـ لامتناع إثبات المشتق للشيء من غير قيام مأخذ الاشتقاق به ؛ إذ من أوجد الحركة في جسم آخر لا يسمى متحركا لغة ، فلا يسمى الله متكلما بخلق الكلام في غيره كما قالت المعتزلة من أن المتكلم من أوجد الكلام في غيره.
أما باقي الفرق : من حنابلة وحشوية وأشاعرة وكرامية ، فلا يتنافى مدعاهم مع مدلول متكلم في اللغة على رأي العضد ؛ لأنهم جميعا يقولون : المتكلم من قام به الكلام ؛ فلهذا نحتاج في إثبات مدعى الأشاعرة الخاص ـ وهو الصفة النفسية ـ إلى إبطال قدم اللفظ وقيامه بذاته عزوجل ، وهو ظاهر البطلان ؛ لأن جعل المرتب الذي تقدم بعض أجزائه وتأخر البعض قديما مفض إلى التناقض ؛ لاستدعاء الترتيب أولية وحدوثا ، واستدعاء الوصف بالقدم عدم أوليته.
وأما بطلان قيام الحادث بذات الله ـ عزوجل ـ فظاهر أيضا ؛ فلم يبق لكونه متكلما ، مع ملاحظة اللغة ، وبطلان قيام لفظ قديم أو حادث بذاته ـ عزوجل ـ سوى أن له صفة نفسية ، وهو مدعي الأشاعرة. ـ