وتأويل الآية ـ والله أعلم ـ في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ...) الآية ، أي : إنهم وإن لم تكن لهم حاجة إلى المأكل والمشرب وأنواع الحاجات لا يستكبرون عن عبادته ، فأنتم مع حاجتكم إلى الأكل والشرب وأنواع الحوائج أحرى وأولى ألا تستكبروا عن عبادته.
أو أن يقول : إن الذين تعبدون (١) من الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ، فأنتم أحق ألا تستكبروا عن عبادته ؛ لأن من الناس من يعبد الملائكة ، فخرج هذا جواب ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُسَبِّحُونَهُ).
التسبيح : هو وصف الرب ـ عزوجل ـ بالرفعة ، والعظمة والجلال ، والتعالي عن الأشباه والأمثال ، وعما وصفه الملحدون.
والتسبيح : هو تنزيه الرب وتبرئته عن جميع معاني الخلق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ يَسْجُدُونَ).
السجود : هو الخضوع في الغاية ، وليس في الآية دليل وجوب السجدة على من تلاها أو سمعها (٢) ، إنما فيها الإخبار عن الساجدين أنهم سجدوا غير مستكبرين ، وفي ذلك
__________________
(١) في أ : يعبدون.
(٢) اتفق الفقهاء على مشروعية سجود التلاوة ؛ للآيات والأحاديث الواردة فيه ، لكنهم اختلفوا في صفة مشروعيته أواجب هو أو مندوب؟
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن سجود التلاوة سنة مؤكدة عقب تلاوة آية السجدة ؛ لقول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)[الإسراء : ١٠٧ ـ ١٠٩] ولما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد ، اعتزل الشيطان يبكي ، يقول : يا ويلي ـ وفي رواية يا ويله ـ أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة ، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار». ولما روى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد».
وليس سجود التلاوة بواجب ـ عندهم ـ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم تركه ، وقد قرئت عليه سورة (وَالنَّجْمِ ...)[النجم : ١] وفيها سجدة ، روى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال : «قرأت على النبي صلىاللهعليهوسلم والنجم فلم يسجد فيها» ، وفي رواية : «فلم يسجد منا أحد» وروى البخاري أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد ، فسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال : «يا أيها الناس ، إنا نمر بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه ، ولم يسجد عمر رضي الله تعالى عنه». ورواه مالك في الموطأ وقال فيه : على رسلكم ، إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء ، فلم يسجد ، ومنعهم أن يسجدوا ، وكان بمحضر من الصحابة ، ولم ينكروا عليه فكان إجماعا.
واستدلوا أيضا بما جاء في حديث الأعرابي من قوله صلىاللهعليهوسلم : «خمس صلوات في اليوم والليلة» قال : هل علي غيرها؟ قال : «لا ، إلا أن تتطوع» وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت صحيح ـ