صنيع الكفرة أنهم لا يزالون يطلبون الآيات ، وإن كانت الكفاية قد [ثبتت](١) لهم فمثله ذلك أيضا.
وأيضا إنه قال : (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي ...) [و](٢) الآية التي يستقر معها الجبل [هي](٣) دون التي لا يستقر معها ؛ ثبت أنه لم يرد بذلك الآية.
وأيضا محاجة إبراهيم ـ عليهالسلام ـ قومه في النجوم وما ذكر بالأفول والغيبة ، ولم يحاجهم بألّا يحب (٤) ربّا يرى ، ولكن حاجهم بألا أحب ربّا يأفل ؛ إذ هو دليل عدم الدوام ، ولا قوة إلا بالله.
وأيضا قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ـ ٢٣] ، ثم لا يحتمل ذلك الانتظار ؛ لوجوه :
أحدها : أن الآخرة ليست بوقت للانتظار ، إنما هي الدنيا ، وهي دار الوقوع والجود إلا في وقت الفزع ، وقيل : أن يعاينوا في أنفسهم ما له حق الوقوع.
والثاني : قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) [القيامة : ٢٢] : وذلك وقوع الثواب.
والثالث : قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٣] : وإلى (٥) حرف يستعمل في النظر إلى الشيء لا في الانتظار.
والرابع : أن القول به يخرج مخرج البشارة لعظيم ما نالوه من النعم ، والانتظار ليس منه ، مع ما كان الصرف عن حقيقة المفهوم (٦) قضاء على الله ، فيلزم القول بالنظر إلى الله ، كما قال على نفي جميع معاني الشبه عن الله سبحانه على ما أضيف إليه من
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : نحب.
(٥) ينظر الكلام على حرف «إلى» في «مصابيح المغاني في حروف المعاني» ص (١٠٢) ، المقرب لابن عصفور (١ / ١٩٩) ، رصف المباني (١٦٧) ، الجنى الداني (٣٧٣) ، الإنصاف (١ / ٢٦٦).
(٦) يطلق المفهوم ، ويقصد به معنى دل عليه اللفظ لا في محل النطق ، أو هو : دلالة اللفظ على معنى في غير محل النطق ؛ بأن يكون ذلك المعنى حكما لغير المذكور في الكلام ، وحالا من أحواله ، سواء كان ذلك الحكم موافقا لحكم المذكور أو مخالفا له.
وقسموه إلى قسمين : مفهوم موافقة ، ومفهوم مخالفة ؛ لأن المسكوت عنه إن كان موافقا في الحكم للمذكور ، فالدلالة عليه حينئذ هي مفهوم الموافقة ، وإن كان مخالفا له فيه ، فالدلالة عليه هي مفهوم المخالفة.
ينظر : شرح العضد (٢ / ١٧١) ، والبرهان (١ / ٤٤٩) ، والعمدة (١ / ١٥٤) ، والإحكام للآمدي (٣ / ٦٢) ، وشرح الكوكب (٣ / ٤٨٠).