أثقلت أتاها (١) فقال : كيف تجدينك؟ قالت : إني لأخاف أن يكون الذي ذكرت ، ما أستطيع القيام إذا قعدت إلا بجهد ، قال : أفرأيت (٢) إن دعوت الله يجعله إنسانا مثلك ومثل آدم أتسمينه بي؟ قالت : نعم ، فانصرف عنها ، وقالت لآدم : لقد أتاني آت فخوفني بكذا ، وإني لأخاف مما ذكر ، فدعوا الله في ذلك بقوله : (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً) ، يقول : جعلته إنسانا (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، فكان هذا دعاؤهما قبل أن تلد ، فلما ولدت أتاها (٣) إبليس وقال : ألا تسمينه بي كما وعدتني ، قالت : نعم ، ما اسمك؟ قال : اسمي الحارث ، فسمته : عبد الحارث (٤) ؛ فذلك قوله : (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما) ؛ على هذا حمل أهل التأويل الآية [و](٥) إلى آدم وحواء صرفوها ، وذلك وخش (٦) من القول ، قبيح في آدم وحواء ذلك ، ولو ثبت ما قالوا : إنهما سميا ولدهما باسمه ونسباه إليه ، لم يكن في ذلك إشراك ؛ إذ لو كان في مثله إشراك لكان فيما أضاف العبيد والمماليك إلى الخلق إشراك في ألوهيته (٧).
ثم التأويل عندنا على غير ما ذهبوا إليه ـ والله أعلم ـ وهو أن قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) يعني : من آدم ، (وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) : حواء ، أي (٨) : خلق الذكور كلهم من آدم ، وخلق الإناث كلهن من حوّاء ؛ كقوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) [الروم : ٢١] أخبر أن الأزواج خلقهن من نفس الأزواج ، فلما أضاف الزوجات
__________________
(١) في ب : قال.
(٢) في ب : أرأيت.
(٣) في أ : أتاهما.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٤٣) (١٥٥٢٢) عن سعيد بن جبير ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٧) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن سعيد بن جبير.
(٥) سقط في أ.
(٦) الوخش : الرديء من كل شيء ، وقد وخش وخاشة.
قال الليث : الوخش : رذال الناس وسقاطهم وصغارهم ، يكون للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، يقال : رجل وخش ، وامرأة وخش ، وقوم وخش ، وقد يثنى ؛ أنشد الجوهري للكميت :
تلقى الندى ومخلدا حليفين |
|
ليسا من الوكس ولا بوخشين |
قال ابن سيده : وربما جاء مؤنثة بالهاء ، وأنشد ابن الأعرابي :
وقد لفّفا خشناء ليست بوخشة |
|
تواري سماء البيت مشرفة القتر |
وقد يقال في الجمع : أوخاش ووخاش ، يقال : جاءني أوخاش من الناس ، أي : سقاطهم ، وأما وخاش ـ بالكسر ـ فإنها جمع «وخشة».
ينظر : تاج العروس (١٧ / ٤٤٦ ، ٤٤٧) واللسان (وخش) و (خشن) ، والصحاح (وخش).
(٧) في أ : ألوهية.
(٨) في ب : أن.