إلى أنفس الأزواج (١) وأنهن من أنفسهم (٢) خلقهن ؛ كان قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها) كل زوجة وزوج إذا تغشاها وحملت دعا آدم وحواء : (لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) إذ جميع الأولاد أولادهما ، يدعون الله في ذلك ليكون صالحا ؛ فمن كان مسلما منهما كان بدعائهما ؛ فعلى هذا التأويل يحصل دعاؤهما لأولادهما الذين يولدون إلى يوم القيامة ؛ لأنهما أب وأم ، وقد يدعو الوالدان لأولادهما (٣) بالصلاح والخير ؛ على هذا يجوز أن يخرج تأويل الآية ، وأما ما قاله أولئك فهو بعيد محال ، والله أعلم.
وقال بعضهم : إن العرب كان إذا ولد لهم أولاد ذكور ينسبون إلى الأصنام التي يعبدونها ويضيفون إليها ؛ تعظيما لها ؛ يقولون : ابن اللات (٤) ، وابن العزى (٥) ، وابن المناة (٦) ، ونحو ذلك ، وكانوا يقتلون البنات ، وكان إذا أصابتهم الشدة يفزعون إلى الله ويتضرعون إليه ؛ كقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [العنكبوت : ٦٥] ، وكقوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ ...) الآية [الزمر : ٨] ، (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ ...) الآية [لقمان : ٣٢] ، فلما ذهب ذلك عنهم وانجلى عادوا إلى ما كانوا من قبل ؛ كقوله : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥] ، وقوله : (ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ ...) الآية [الزمر : ٨] ، فإذا كان من عادة العرب ما ذكرنا ، كان إذا حملت زوجة منهم وثقل ما في بطنها ، جعلا يدعوان الله ربهما لئن آتيتنا صالحا ذكرا وسلمت من الولادة (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً) يعني : ذكرا (جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ
__________________
(١) في أ : نفس الزوج.
(٢) في أ : أنفسهن.
(٣) في أ : لأولاهما.
(٤) واللات بالطائف ، وهي أحدث من مناة. وكانت صخرة مربعة. وكان يهودي يلت عندها السويق.
وكان سدنتها من ثقيف بني عتاب بن مالك. وكانوا قد بنوا عليها بناء. وكانت قريش وجميع العرب تعظمها.
وبها كانت العرب تسمى (زيد اللات) و (تيم اللات).
وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى. وهي التي ذكرها الله في القرآن فقال : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى)[النجم : ١٩] ينظر : الأصنام ص (١٦).
(٥) وهي أحدث من اللات ومناة ، وكانت أعظم الأصنام عند قريش. وكانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح. ينظر : الأصنام ص (١٧ ، ١٨).
(٦) أقدم هذه الأصنام مناة. وقد كانت العرب تسمى (عبد مناة) و (زيد مناة).
وكان منصوبا على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد ، بين المدينة ومكة.
وكانت العرب جميعا تعظمه وتذبح حوله. وكانت الأوس والخزرج ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من المواضع يعظمونه ويذبحون له ويهدون له. ينظر : الأصنام ص (١٣).