الخير ومن العمل الصالح](١) ، أو لو كان يعلم الغيب لاستكثر المال على ما قال بعضهم ؛ هذا بعيد.
ولكن التأويل ـ والله أعلم ـ أن يجعل قوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) أي : لا أعلم لكم نفعا ولا ضرّا ، ولو كنت أعلم لكم الغيب لاستكثرت من الخير عند الله ، أي :
لو كنت أعلم لكم ذلك لصدقتموني وآمنتم بي [و] لاستكثرت من الخير عند الله بإيمانكم بالله وتصديقكم إياي.
أو أن يقال : لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرّا ، ولو كنت أملك لكم ذلك لاستكثرت من الخير ؛ لأنكم إذا رأيتموني أملك نفع ما غاب عنكم ودفع ضر ما غاب ، لآمنتم بي وصدقتموني ، فأنا بذلك استوجبت عند الله خيرا كثيرا ، يجعل قوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) جواب ما تقدم من الكلام ، والله أعلم.
وقال بعضهم : قوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) أي : لا أعلم الغيب إلا قدر ما أوحي (٢) إلى (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ).
وقال بعضهم : لا أعلم الغيب قبل أن يوحى إلي ، ولو كنت أعلم ذلك لاستكثرت من الخير بذلك.
وحاصل التأويل في قوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) : ما ذكرنا بتصديقكم إياي وإيمانكم بي ، أو ما ذكرنا من السعة والخصب في الدنيا لأهله ولأصحابه ، أو ما ذكرنا ، أي : لو كنت أملك لكم نفع ما غاب عنكم ودفع ضرر ما غاب ـ أيضا ـ لآمنتم بي وصدقتموني ، فأنا بذلك استوجبت عند الله خيرا كثيرا.
وجائز أن يكون قوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) أي : لو كنت أعلم من المصدق ومن المكذب لاستكثرت من الخير ؛ لأنه لا يشتغل بمن يعلم أنه يرد ولا يجيب ، وإنما يشتغل بمن يعلم منه أنه يجيب ولا يكذب ، فيستكثر أتباعه والمطيعين لله.
وقال بعضهم : (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) هو صلة قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) [الأعراف : ١٨٤] كانوا يقولون : إن به جنونا ، فقال : (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) من النسبة إلى الجنون ، ويقول : ما مسني السوء منكم : سوء ردّ وتكذيب ؛ لأنه لو علم (٣) الذي يجيبه ويصدقه من الذي لا يجيبه ولا يصدقه ، لم يمسه سوء من الرد والأذى ؛ لأنه لا يشتغل به
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : يوحي.
(٣) زاد في أ : من.