وعلى قول بعضهم : الحفي : الخبير العالم ، وقالوا : هو المشرف المكرم البار الذي لا يستخفي منه شيء ولا يلبس عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا).
قال بعض أهل التأويل (١) : قوله : (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) : الهدى والضلالة.
وقال قائلون من أهل التأويل (٢) : لا أملك جرّ النفع إلى نفسي ولا دفع الضر عنها (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ، أي : إلا إن أقدرني الله على ذلك فأملك ذلك.
ويشبه أن يكون قوله : (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) قال ذلك ؛ لئلا يتخذوه معبودا ، لا ينسبوه إلى الله بالذي لا يليق النسبة به [نحو](٣) ما قالت النصارى : (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، وقال مشركو العرب : الملائكة بنات الله ؛ لعظيم ما وقع عندهم من محل هؤلاء وقدرهم ، فقال : (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ؛ لئلا ينسبوه إلى الله من الوجه الذي نسب أولئك ، أظهر من نفسه العجز والعبادة ، وهو ما قال عيسى [صلوات الله عليه حيث قال](٤) : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ ...) الآية [مريم : ٣٠].
وقال ابن عباس (٥) في قوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) : وذلك أن أهل مكة قالوا : ألا (٦) يخبرك ربك يا محمد بالتجارة المربحة فتتجر فيها فتربح ، أو لا يخبرك بسنة القحط والجدوبة ، أو يخبرك بوقت السعة والخصب؟! فقال عند ذلك : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ) من جدوبة الأرض والقحط ؛ (لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) [يقول : لتهيأت لذلك (وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) من الضر والشدة ؛ إلى هذا ذهب عامة أهل التأويل.
وقالوا في قوله : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ) قال بعضهم : لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير ومن العمل الصالح](٧).
[ولكن الوجه فيه غير ما ذهبوا إليه ؛ لأنه إن كان لا يعلم متى يموت؟ لا يستكثر من
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦ / ١٤١) (١٥٥٠٥ ، ١٥٥٠٦) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٦) وعزاه لأبي الشيخ عن مجاهد.
(٢) ذكره ابن جرير (٦ / ١٤٠) والرازي في تفسيره (١٥ / ٦٩).
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٦) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس ، وكذا الرازي في تفسيره (١٥ / ٦٨).
(٦) في أ : لا.
(٧) سقط في أ.