وأنصار ، أو رجل به جنون ؛ لأنهم كانوا يقتلون من يخالفهم في شيء من الأمر ، فلما رأوا رسول الله خالفهم واستقبلهم بما يكرهون ، ولم يروا معه أنصارا ولا أعوانا ظنوا أنه لا يخالفهم إلا بجنون فيه ، فنسبوه إلى الجنون لذلك ، والله أعلم.
ويحتمل أن تكون نسبتهم إياه إلى الجنون لما حرم عليهم عبادة الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها ، وهم قد رأوا العقلاء منهم قد عبدوا الأصنام ولم يحرموا ذلك ، فلما حرم ذلك عليهم ظنوا أنه إنما حرم ذلك لآفة ، لذلك حملهم بالنسبة إلى الجنون ، والله أعلم.
ثم عاتبهم بتركهم التفكر فيه بقوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) ؛ ليتبين لهم أنه ليس به جنون ، وذلك يحتمل وجهين :
أنهم لو تفكروا في رسول الله بما أخبرهم من المرغوب والمرهوب والمحذور في كتابهم على غير لسانهم ، واختلاف منه إلى أحد منهم ، ولا تعلم ـ لعلموا (١) أنه رسول ، وأن ما أخبر إنما أخبر بالله. أو أن يكون قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ) ، أي : قد تفكروا فيه وعرفوا أن ليس به جنون ؛ وكذلك في قوله : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية ، أي : قد تفكروا في ذلك ، وعرفوا أن مثل هذا لم يخلق عبثا باطلا ؛ كما يقال : أولم تفعل كذا ، أي : قد فعلت ، لكنهم عاندوا وكابروا آياته وحججه.
وأمكن أن يكون قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) أي : في أنفسهم ، وفي أولئك الذين عبدوا من الأصنام والأوثان ؛ ليظهر لهم أنهم على باطل وسفه ، وليتبين لهم أن الحق هو ما يدعوهم إليه محمد صلىاللهعليهوسلم ، لا ما كانوا هم عليه.
وفيه دلالة أن الحق يلزم وإن كان لا يعلم ذلك إلا بالتفكر والتدبر ؛ لما لحق هؤلاء من الوعيد الشديد والعقاب العظيم لما تركوا هم التفكر ، وكان لهم سبيل الوصول إلى معرفة ذلك.
وقوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ) أنه ليس به جنة ؛ هذا جواب من الله.
ويحتمل : لو تفكروا في صاحبهم ، لعرفوا أنه ليس به جنة.
ثم أخبر أنه نذير مبين ، ليس كما يقولون : إنه مجنون ؛ إذ معه آيات وبراهين ، فهو نذير مبين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية.
يحتمل هذا على الابتداء.
__________________
(١) في ب : ليعلموا.