وقال بعضهم (١) : يظهر لهم النعم وينسيهم الشكر.
وجائز أن يكون ما ذكر من الاستدراج والمكر والكيد عبارة عن العذاب ، أي : إن أخذي إياهم وعذابي شديد ؛ حيث قال : (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) ، أي : عقوبتي شديدة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).
أي : كيدوه أنتم وأمهلهم وأكيد لهم ؛ كقوله : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً ...) الآية [الطارق : ١٥ ـ ١٦] ؛ فيخرج قوله : (وَأَكِيدُ كَيْداً) [الطارق : ١٦] ، مخرج جزاء كيدهم ؛ وكذلك قوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً) [النمل : ٥٠] أي : جزيناهم جزاء مكرهم ؛ وكذلك قوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) ، أي : نجزيهم جزاء استدراج وما هو عندهم كيد ، وكذلك نفعل بهم ما هو عندهم مكر وخداع ، وإن لم يكن من الله مكر وخداع ؛ كقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] أي : إعادة الشيء عندكم أهون من الابتداء ، وإن كانت الإعادة والابتداء [سواء على الله ؛](٢) فعلى ذلك قوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) ، (كَيْدِي مَتِينٌ) ونحوه ، أي : نفعل بكم ما هو استدراج وكيد عندكم ، والله أعلم.
ودل قوله : (وَأُمْلِي لَهُمْ) على أنه لم ينشئهم لحاجة له إليهم ، أو لمنفعة له فيهم ، ولكن أنشأهم لحوائج أنفسهم ، ولمنافع ترجع إليهم ، حتى إن عملوا نفعوا أنفسهم ، وإن تركوا ضروا أنفسهم.
وقوله : (مَتِينٌ).
قيل (٣) : شديد ، أي : عقوبتي شديدة ، والمتين : [هو](٤) المحكم القوي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ).
إن الكفرة كانوا ينسبون رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الجنون أحيانا ، والذي حملهم على ذلك ـ والله أعلم ـ أنهم كانوا أهل العز والشرف في الدنيا (٥) ، وكان لا يخالفهم أحد ، ولا يستقبلهم بالمكروه إلا أحد رجلين : [رجل ذو قوة وهيبة](٦) وله أعوان
__________________
(١) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٢) وعزاه لابن أبي الدنيا والبيهقي في الأسماء والصفات وأبي الشيخ عن الثوري وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٢١٨) ونسبه للثوري.
(٢) في ب : على الله سواء.
(٣) ذكره ابن جرير (٦ / ١٣٤) ، وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٢١٨) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٤٢٩).
(٤) سقط في أ.
(٥) في ب : الدنيوية.
(٦) في أ : ذو هيبة وقوة.