ويحتمل على الصلة بالأول (١) ، وهو أنهم إذا تفكروا في ملكوت السموات والأرض ، عرفوا ألوهية الله وربوبيته ؛ لما يرون من اتصال منافع بعض ببعض على بعد ما بينهما ، واتساق التدبير في ذلك ، فعرفوا أن ذلك كله مسخر لمن له التمييز ، وأن المقصود في خلقه أهل التمييز ، فإذا عرفوا ذلك عرفوا أنهم يحتاجون إلى من يعرفهم ذلك ، ويعلمهم ما يحتاجون في ذلك.
ويحتمل على ابتداء الأمر بالتفكر في ملكوت السموات والأرض (وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) ؛ ليدلهم على وحدانية [الله](٢) وربوبيته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ).
كأن هذا نزل فيمن عرف صدقه ، لكنه عاند في تكذيبه ، فقال : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ) يحذرهم ؛ ليرجعوا إلى تصديقه ، مخافة الخروج من الدنيا على ما هم عليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
هذا يتوجه وجهين :
أحدهما : أنكم ممن تقبلون (٣) الأخبار والحديث ، فإذا لم تقبلوا حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخبره ولم تصدقوه ، فبأي حديث بعده تقبلون وتصدقون ، ومعه حجج وبراهين؟ والله أعلم.
والثاني : أن يكون قوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) [يعني](٤) بعد القرآن يؤمنون ، وهو كما وصفه : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ...) الآية [فصلت : ٤٢] ، وقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) [الإسراء : ٨٨] ، فإذا لم تقبلوا هذا ولم تصدقوه وهو بالوصف الذي ذكر ، وأنتم ممن تقبلون الحديث ، فبأي حديث بعده تقبلون (٥).
وجائز أن يكون قوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) يريد به في الآخرة ؛ يقول : إذا اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون ، أي : لا حديث بعده يؤمنون به ، والتأويل الآخر في الدنيا.
__________________
(١) في ب : للأول.
(٢) سقط في أ.
(٣) في أ : يقبلون.
(٤) سقط في أ.
(٥) زاد في ب : بعده.