وقوله ـ عزوجل ـ : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ).
قال قائلون : هو (١) صلة قوله : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا ...) الآية [الأعراف : ١٧٧].
وقال بعضهم : فيه الوعد لرسول الله بالنصر له ، والظفر على أعدائه.
والاستدراج : هو الأخذ في حال الغفلة من حيث أمن الرجل بغتة (٢) ؛ كقوله : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [الأعراف : ٩٥].
وقال قائلون : الاستدراج : المكر ، لكن معنى ما يضاف الاستدراج والمكر إلى الخلق غير المعنى الذي يضاف إلى الله ، والجهة التي تضاف إلى الله غير الجهة التي تضاف إلى الخلق [والجهة التي تضاف](٣) إلى الخلق مذمومة ، والجهة التي تضاف إلى الله محمودة ، وكذلك ما أضيف إلى الله من المكر ، والخداع ، والاستهزاء ونحوه ، هو (٤) ما ذكرنا على اختلاف الجهات ، والمعنى في الجهة التي تضاف إلى الله غير الجهة التي تضاف إلى الخلق ؛ لأن الله ـ تعالى ـ يأخذهم بما (٥) يستوجبون ويستحقون بحق الجزاء والمكافأة ، فلا يلحقه في ذلك ذم ، وأما الخلق فيما بينهم يمكرون ويكيدون ، لا على الاستحقاق والجزاء.
وعن الحسن (٦) في قوله : (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) قال : كلما جدوا لله معصية (٧) ، جدد الله لهم نعمة ؛ ليستهزءوا ويأشروا ويبطروا ، ثم يهلكهم.
__________________
(١) في أ : هذا.
(٢) البغت : مجيء الشيء على غفلة من حيث لا يحتسب ، والبغتة كذلك ، قال تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) [الأنعام : ٣١] أي : فاجأتهم من غير علم لهم بمجيئها. ويقال : بغته الشيء ، بغتا وبغتة ، يبغت ؛ فهو باغت. قال الشاعر :
إذا بغتت أشياء قد كان قبلها |
|
قديما فلا تعتدها بغتات |
وبغت : يكون قاصرا كما تقدم ، ومتعديا ، يقال : بغته الأمر يبغته بغتا ، وباغته ساعة مباغتة ؛ كما يقال : فجأه الأمر يفجؤه فجأ ، وفاجأه يفاجئه مفاجأة. وقال يزيد بن ضبة الثقفي :
ولكنهم ماتوا ولم أدر بغتة |
|
وأفظع شىء حين يفجؤك البغت |
ينظر : عمدة الحفاظ (١ / ٢٤١) ، والمفردات (٥٥) ، واللسان (بغت) ، والغريبين (١ / ١٩٠).
(٣) سقط في ب.
(٤) في أ : وهو.
(٥) في أ : مما.
(٦) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٢٧٢) وعزاه لأبي الشيخ عن يحيى بن المثنى ، وكذا البغوي في تفسيره (٢ / ٢١٨) ونسبه للضحاك.
(٧) في أ : المعصية.