مُتَّبَعُونَ) أي : يتبعكم فرعون وجنوده ، وقد تقدّم في غير موضع خروج فرعون بعدهم (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) أي : ساكنا ، يقال رها يرهو رهوا : إذا سكن لا يتحرّك. قال الجوهري : يقال افعل ذلك رهوا ، أي : ساكنا على هيئتك ، وعيش راه : أي ساكن ، ورها البحر سكن ، وكذا قال الهروي وغيره ، وهو المعروف في اللغة ، ومنه قول الشاعر :
والخيل تمرح رهوا في أعنّتها |
|
كالطير تنجو من الشرنوب ذي الوبر |
أي : والخيل تمرح في أعنتها ساكنة ، والمعنى : اترك البحر ساكنا على صفته بعد أن ضربته بعصاك ، ولا تأمره أن يرجع كما كان ليدخله آل فرعون بعدك وبعد بني إسرائيل فينطبق عليهم فيغرقون. وقال أبو عبيدة : رها بين رجليه يرهو رهوا : أي فتح .. قال ، ومنه قوله : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) والمعنى : اتركه منفرجا كما كان بعد دخولكم فيه ، وكذا قال أبو عبيد : وبه قال مجاهد وغيره. قال ابن عرفة : وهما يرجعان إلى معنى واحد ، وإن اختلف لفظاهما ، لأن البحر إذا سكن جريه انفرج. قال الهروي : ويجوز أن يكون رهوا نعتا لموسى ، أي : سر ساكنا على هيئتك. وقال كعب والحسن رهوا : طريقا. وقال الضحاك : والربيع سهلا. وقال عكرمة : يبسا كقوله : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً) وعلى كل تقدير ، فالمعنى اتركه ذا رهو أو اتركه رهوا على المبالغة في الوصف بالمصدر (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) أي : إن فرعون وقومه مغرقون. أخبر سبحانه موسى بذلك ليسكن قلبه ويطمئن جأشه. قرأ الجمهور بكسر إن على الاستئناف لقصد الإخبار بذلك ، وقرئ بالفتح على تقدير لأنهم (كَمْ) هي الخبرية المفيدة للتكثير ، وقد مضى الكلام في معنى الآية في سورة الشعراء. قرأ الجمهور (وَمَقامٍ) بفتح الميم على أنه اسم مكان للقيام ، وقرأ ابن هرمز ، وقتادة ، وابن السميقع ، وروي عن نافع بضمها اسم مكان الإقامة (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) النعمة بالفتح التنعم : يقال نعمه الله وناعمه فتنعم ، وبالكسر المنة ، وما أنعم به عليك ، وفلان واسع النعمة : أي واسع المال ذكر معنى هذا الجوهري. قرأ الجمهور (فاكِهِينَ) بالألف. وقرأ أبو رجاء ، والحسن ، وأبو الأشهب ، والأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة «فكهين» بغير ألف ، والمعنى على القراءة الأولى : متنعمين طيبة أنفسهم ، وعلى القراءة الثانية : أشرين بطرين. قال الجوهري : فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا ، والفكه أيضا : الأشر البطر. قال : وفاكهين : أي ناعمين. وقال الثعلبي : هما لغتان كالحاذر والحذر ، والفاره والفره. وقيل إن الفاكه : هو المستمتع بأنواع اللذة كما يتمتع الرجل بأنواع الفاكهة (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) الكاف في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف. قال الزجاج : أي الأمر كذلك ، ويجوز أن تكون في محل نصب ، والإشارة إلى مصدر فعل يدلّ عليه تركوا ، أي : مثل ذلك السلب سلبناهم إياها ، وقيل : مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها ، وقيل : مثل ذلك الإهلاك أهلكناهم. فعلى الوجه الأوّل يكون قوله : (وَأَوْرَثْناها) معطوفا على (تَرَكُوا) وعلى الوجوه الآخرة يكون معطوفا على الفعل المقدّر. والمراد بالقوم الآخرين بنو إسرائيل ، فإن الله سبحانه ملكهم أرض مصر بعد أن كانوا فيها مستعبدين ، فصاروا لها وارثين : أي أنها وصلت إليهم كما يصل الميراث إلى الوارث ، ومثل هذا قوله : (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ