الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) (١) (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) هذا بيان لعدم الاكتراث بهلاكهم : قال المفسرون : أي إنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملا صالحا تبكي عليهم به ولم يصعد لهم إلى السماء عمل طيب تبكي عليهم به ، والمعنى : أنه لم يصب بفقدهم وهلاكهم أحد من أهل السماء ولا من أهل الأرض ، وكانت العرب تقول عند موت السيد منهم : بكت له السماء والأرض ، أي : عمت مصيبته ، ومن ذلك قول جرير :
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع |
ومنه قول النابغة :
بكى حارث الجولان من فقد ربّه |
|
وحوران منه خاشع متضائل |
وقال الحسن : في الكلام مضاف محذوف : أي ما بكى عليهم أهل السماء والأرض من الملائكة والناس. وقال مجاهد : إن السماء والأرض تبكيان على المؤمن أربعين صباحا ، وقيل إنه يبكي على المؤمن مواضع صلاته ومصاعد عمله (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي : ممهلين إلى وقت آخر بل عوجلوا بالعقوبة لفرط كفرهم وشدّة عنادهم (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) أي خلصناهم بإهلاك عدوّهم مما كانوا فيه من الاستبعاد ، وقتل الأبناء واستحياء النساء وتكليفهم للأعمال الشاقة ، وقوله : (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من العذاب إما على حذف مضاف ، أي : من عذاب فرعون ، وإما على المبالغة كأنه نفس العذاب فأبدل منه ، أو على أنه حال من العذاب تقديره صادرا من فرعون ، وقرأ ابن عباس : «من فرعون» بفتح الميم على الاستفهام التحقيري كما يقال لمن افتخر بحسبه أو نسبه : من أنت؟ ثم بين سبحانه حاله فقال : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي : عاليا في التكبر والتجبر من المسرفين في الكفر بالله وارتكاب معاصيه كما في قوله : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (٢) ولما بين سبحانه كيفية دفعه للضر عن بني إسرائيل بين ما أكرمهم به فقال : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) أي : اختارهم الله على عالمي زمانهم على علم منه باستحقاقهم لذلك ، وليس المراد أنه اختارهم على جميع العالمين بدليل قوله في هذه الأمة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (٣) وقيل : على كل العالمين لكثرة الأنبياء فيهم ، ومحل على علم : النصب على الحال من فاعل اخترناهم ، أي : حال كون اختيارنا لهم على علم منا ، وعلى العالمين متعلق باخترناهم (وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ) أي : معجزات موسى (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) أي : اختبار ظاهر ، وامتحان واضح لننظر كيف يعملون. وقال قتادة : الآيات إنجاؤهم من الغرق ، وفلق البحر لهم ، وتظليل الغمام عليهم ، وإنزال المنّ والسلوى لهم. وقال ابن زيد : الآيات هي الشرّ الذي كفهم عنه ، والخير الذي أمرهم به. وقال الحسن وقتادة : البلاء المبين : النعمة الظاهرة كما في قوله : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) (٤) ومنه قول زهير :
فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
__________________
(١). الأعراف : ١٣٧.
(٢). القصص : ٤.
(٣). آل عمران : ١١٠.
(٤). الأنفال : ١٧.