(٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧))
قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) أي : ابتليناهم ، ومعنى الفتنة هنا أن الله سبحانه أرسل إليهم رسله ، وأمروهم بما شرعه لهم فكذبوهم ، أو وسع عليهم الأرزاق فطغوا وبغوا. قال الزجاج : بلوناهم ، والمعنى : عاملناهم معاملة المختبر ببعث الرسل إليهم ، وقرئ (فَتَنَّا) بالتشديد (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) أي : كريم على الله كريم في قومه. وقال مقاتل : حسن الخلق بالتجاوز والصفح. وقال الفراء : كريم على ربه إذ اختصه بالنبوّة (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) أن هذه هي المفسرة لتقدّم ما هو بمعنى القول ، ويجوز أن تكون المخففة من الثقيلة ، والمعنى : أن الشأن والحديث أدّوا إليّ عباد الله ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : بأن أدّوا ؛ والمعنى : أنه طلب منهم أن يسلموا إليه بني إسرائيل. قال مجاهد : المعنى أرسلوا معي عباد الله وأطلقوهم من العذاب ، فعباد الله على هذا مفعول به. وقيل : المعنى : أدّوا إليّ عباد الله ما وجب عليكم من حقوق الله ، فيكون منصوبا على أنه منادى مضاف. وقيل : أدّوا إليّ سمعكم حتى أبلغكم رسالة ربكم (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) هو تعليل لما تقدّم ، أي : رسول من الله إليكم أمين على الرسالة غير متهم (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) أي : لا تتجبروا وتتكبروا عليه بترفعكم عن طاعته ، ومتابعة رسله ، وقيل : لا تبغوا على الله ، وقيل : لا تفتروا عليه ، والأوّل أولى ، وبه قال ابن جريج ، ويحيى بن سلام ، وجملة : (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) تعليل لما قبله من النهي ، أي : بحجة واضحة لا سبيل إلى إنكارها. وقال قتادة : بعذر بين. والأوّل أولى ، وبه قال يحيى بن سلام. قرأ الجمهور بكسر همزة (إِنِّي) وقرئ بالفتح بتقدير اللام (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) استعاذ بالله سبحانه لما توعدوه بالقتل ، والمعنى : من أن ترجمون. قال قتادة : ترجموني بالحجارة ، وقيل : تشتمون ، وقيل : تقتلون (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أي : إن لم تصدّقوني ؛ وتقرّوا بنبوّتي ؛ فاتركوني ولا تتعرّضوا لي بأذى. قال مقاتل : دعوني كفافا لا عليّ ولا لي ، وقيل : كونوا بمعزل عني ، وأنا بمعزل منكم إلى أن يحكم الله بيننا ، وقيل : فخلوا سبيلي ، والمعنى متقارب. ثم لما لم يصدّقوه ولم يجيبوا دعوته ، رجع إلى ربه بالدعاء كما حكى الله عنه بقوله : (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) قرأ الجمهور بفتح الهمزة على إضمار حرف الجرّ : أي : دعاه بأن هؤلاء ، وقرأ الحسن ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى بن عمر بكسرها على إضمار القول ، وفي الكلام حذف ، أي : فكفروا فدعا ربه ، والمجرمون : الكافرون ، وسماه دعاء مع أنه لم يذكر إلا مجرّد كونهم مجرمين ، لأنهم قد استحقوا بذلك الدعاء عليهم (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) أجاب الله سبحانه دعاءه ، فأمره أن يسري ببني إسرائيل ليلا ، يقال سرى وأسرى لغتان ، قرأ الجمهور (فَأَسْرِ) بالقطع ، وقرأ أهل الحجاز بالوصل ، ووافقهم ابن كثير ، فالقراءة الأولى من أسرى ، والثانية من سرى ، والجملة بتقدير القول : أي فقال الله لموسى أسر بعبادي (إِنَّكُمْ