فأرضاني ، ومعنى الآية : إن يطلبوا الرّضا لم يقع الرّضا عنهم ، بل لا بدّ لهم من النار. قرأ الجمهور (يَسْتَعْتِبُوا) بفتح التحتية وكسر التاء الفوقية الثانية مبنيا للفاعل. وقرءوا (مِنَ الْمُعْتَبِينَ) بفتح الفوقية اسم مفعول ، وقرأ الحسن ، وعبيد بن عمير ، وأبو العالية (يَسْتَعْتِبُوا) مبنيا للمفعول (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) اسم فاعل : أي إنهم إن أقالهم الله ، وردّهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته كما في قوله سبحانه : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (١).
وقد أخرج الطبراني عن ابن عباس في قوله : (فَهُمْ يُوزَعُونَ) قال : يحبس أوّلهم على آخرهم. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : يدفعون. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود قال : كنت مستترا بأستار الكعبة ، فجاء ثلاثة نفر : قرشي وثقفيان ، أو ثقفيّ وقرشيان ، كثير لحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ، فتكلموا بكلام لم أسمعه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخران : إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإنا إذا لم نرفعه لم يسمعه ، فقال الآخران : إن سمع منه شيئا سمعه كله ؛ قال : فذكرت ذلك للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ) إلى قوله : (مِنَ الْخاسِرِينَ). وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تحشرون هاهنا ، وأومأ بيده إلى الشام ، مشاة وركبانا ، وعلى وجوهكم ، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام ، وأوّل ما يعرب عن أحدكم فخذه وكتفه» ، وتلا رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ). وأخرج أحمد ، وأبو داود الطيالسي ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجة ، وابن حبان ، وابن مردويه عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يموتنّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ، فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله» ، فقال الله : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي
__________________
(١). الأنعام : ٢٨.