الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))
قوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) أي : هيأنا قرناء من الشياطين. وقال الزجاج : سببنا لهم قرناء حتى أضلوهم ، وقيل : سلطنا عليهم قرناء ، وقيل : قدّرنا ، والمعاني متقاربة ، وأصل التقييض : التيسير والتهيئة ، والقرناء : جمع قرين ، وهم الشياطين ، جعلهم بمنزلة الأخلاء لهم. وقيل : إن الله قيض لهم قرناء في النار ، والأولى أن ذلك في الدنيا لقوله : (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) فإن المعنى : زينوا لهم ما بين أيديهم من أمور الدنيا وشهواتها ، وحملوهم على الوقوع في معاصي الله بانهماكهم فيها ، وزينوا لهم ما خلفهم من أمور الآخرة فقالوا : لا بعث ولا حساب ، ولا جنة ولا نار. وقال الزجاج : ما بين أيديهم ما عملوه ، وما خلفهم ما عزموا على أن يعملوه. وروي عن الزجاج أيضا أنه قال : ما بين أيديهم : من أمر الآخرة أنه لا بعث ولا جنة ولا نار ، وما خلفهم : من أمر الدنيا (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : وجب وثبت عليهم العذاب ، وهو قوله سبحانه : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (١) و (فِي أُمَمٍ) في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم. والمعنى : كائنين في جملة أمم ، وقيل في : بمعنى مع ، أي : مع أمم من الأمم الكافرة التي (قَدْ خَلَتْ) ومضت (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) على الكفر ، وجملة (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) تعليل لاستحقاقهم العذاب (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) أي : قال بعضهم لبعض لا تسمعوه ولا تنصتوا له ، وقيل معنى لا تسمعوا : لا تطيعوا ، يقال سمعت لك : أي أطعتك (وَالْغَوْا فِيهِ) أي : عارضوه باللغو والباطل ، أو ارفعوا أصواتكم ليتشوش القارئ له. وقال مجاهد : الغوا فيه بالمكاء والتصدية والتصفيق والتخليط في الكلام حتى يصير لغوا وقال الضحاك : أكثروا الكلام ليختلط عليه ما يقول. وقال أبو العالية : قعوا فيه وعيبوه. قرأ الجمهور (وَالْغَوْا) بفتح الغين ، من لغا إذا تكلم باللغو ، وهو ما لا فائدة فيه ، أو من لغى بالفتح يلغى بالفتح أيضا كما حكاه الأخفش ، وقرأ عيسى بن عمر الجحدري ، وابن أبي إسحاق ، وأبو حيوة ، وبكر بن حبيب السهمي ، وقتادة ، وأبو السمّال ، والزعفراني بضم الغين. وقد تقدّم الكلام في اللغو في سورة البقرة (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي : لكي تغلبوهم فيسكتوا. ثم توعدهم سبحانه على ذلك فقال : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) وهذا وعيد لجميع الكفار ، ويدخل فيهم الذين السياق معهم دخولا أوليا (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : ولنجزينهم في الآخرة جزاء أقبح أعمالهم التي عملوها في الدنيا. قال مقاتل : وهو الشرك. وقيل المعنى : إنه يجازيهم بمساوي أعمالهم لا بمحاسنها كما يقع منهم من صلة الأرحام ، وإكرام الضيف ، لأن ذلك باطل لا أجر له مع كفرهم ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم ، وهو : مبتدأ ، وخبره جزاء أعداء الله ، أو : خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك ، وجملة (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ) مبينة للجملة التي قبلها ، والأوّل أولى ،
__________________
(١). ص : ٨٥.