وتعيش ، فإن بدا له أن يقبضه قبض الروح فمات ، وإن أخر أجله ردّ النفس إلى مكانها من جوفه. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، والضياء في المختارة عنه في الآية قال : تلتقي أرواح الأحياء ، وأرواح الأموات في المنام فيتساءلون بينهم ما شاء الله ، ثم يمسك الله أرواح الأموات ، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) لا يغلط بشيء منها فذلك قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا في الآية قال : كل نفس لها سبب تجري فيه ، فإذا قضي عليها الموت نامت حتى ينقطع السبب ، والتي لم تمت في منامها تترك. وأخرج البخاري ، ومسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره فإنّه لا يدري ما خلفه عليه ، ثم ليقل باسمك ربّي وضعت جنبي وباسمك أرفعه ، إن أمسكت نفسي فارحمها ، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصّالحين».
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٥) قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨))
قوله : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ) أم : هي المنقطعة المقدّرة ببل ، والهمزة ، أي : بل اتخذوا من دون الله آلهة شفعاء تشفع لهم عند الله (قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) للإنكار والتوبيخ والواو للعطف على محذوف مقدّر ، أي : أيشفعون ولو كانوا ... إلخ ، وجواب لو محذوف تقديره تتخذونهم. أي : وإن كانوا بهذه الصفة تتخذونهم ، ومعنى لا يملكون شيئا أنهم غير مالكين لشيء من الأشياء ، وتدخل الشفاعة في ذلك دخولا أوّليا ، ولا يعقلون شيئا لأنها جمادات لا عقل لها ، وجمعهم بالواو والنون لاعتقاد الكفار فيهم أنهم يعقلون. ثم أمره سبحانه بأن يخبرهم أن الشفاعة لله وحده فقال : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) فليس لأحد منها شيء إلا أن يكون بإذنه لمن ارتضى ، كما في قوله : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (١) وقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) (٢) وانتصاب جميعا على الحال ، وإنما أكد الشفاعة بما يؤكد به الاثنان فصاعدا لأنها مصدر يطلق على الواحد ، والاثنين ، والجماعة ، ثم وصفه بسعة الملك فقال : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : يملكهما ، ويملك ما فيهما ، ويتصرف في ذلك كيف يشاء ، ويفعل ما يريد (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) لا إلى غيره ، وذلك بعد البعث (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
__________________
(١). البقرة : ٢٥٥.
(٢). الأنبياء : ٢٨.