جانبي الجبهة ، فللوجه جبينان والجبهة بينهما ، وقيل : كبه على وجهه كيلا يرى منه ما يؤثر الرّقة لقلبه.
واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه ، فقيل : هو مكة في المقام ، وقيل : في المنحر بمنى عند الجمار ، وقيل : على الصخرة التي بأصل جبل ثبير ، وقيل : بالشام (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) أي : عزمت على الإتيان بما رأيته. قال المفسرون : لما أضجعه للذبح نودي من الجبل يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا ، وجعله مصدّقا بمجرد العزم ؛ وإن لم يذبحه لأنه قد أتى بما أمكنه ، والمطلوب استسلامهما لأمر الله وقد فعلا. قال القرطبي : قال أهل السنة إن نفس الذبح لم يقع ، ولو وقع لم يتصور رفعه ، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل ، لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء. قال : ومعنى. (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) فعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك ، هذا أصح ما قيل في هذا الباب. وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه ، لأن معنى ذبحت الشيء قطعته ، وقد كان إبراهيم يأخذ السكين فيمرّ بها على حلقه فتنقلب كما قال مجاهد. وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم وقالت طائفة منهم السدّي : ضرب الله على عنقه صفيحة نحاس ، فجعل إبراهيم يحزّ ولا يقطع شيئا. وقال بعضهم إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج ، وانهار الدم ، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح ، فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي فلما أتى بما أمر به من الإضجاع قيل له قد (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي : نجزيهم بالخلاص من الشدائد والسلامة من المحن ، فالجملة كالتعليل لما قبلها. قال مقاتل : جزاء الله سبحانه بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) البلاء والابتلاء : الاختبار ، والمعنى : إن هذا هو الاختبار الظاهر حيث اختبره الله في طاعته بذبح ولده. وقيل المعنى : إن هذا هو النعمة الظاهرة حيث سلم الله ولده من الذبح وفداه بالكبش ، يقال أبلاه الله إبلاء وبلاء : إذا أنعم عليه : والأوّل أولى ، وإن كان الابتلاء يستعمل في الاختبار بالخير والشرّ ، ومنه (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (١) ولكن المناسب للمقام المعنى الأول. قال أبو زيد : هذا في البلاء الذي نزل به في أن يذبح ولده. قال : وهذا من البلاء المكروه (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) الذبح : اسم المذبوح وجمعه ذبوح كالطحن اسم للمطحون ، وبالفتح المصدر ، ومعنى عظيم : عظيم القدر ، ولم يرد عظم الجثة وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح ، أو لأنه متقبل. قال النحاس : العظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف ، وأهل التفسير على أنه هاهنا للشريف : أي المتقبل. قال الواحدي : قال أكثر المفسرين : أنزل عليه كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا. وقال الحسن : ما فدي إلا بتيس من الأروى اهبط عليه من ثبير فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه. قال الزجاج : قد قيل إنه فدي بوعل ، والوعل التيس الجبلي ، ومعنى الآية : جعلنا الذبح فداء له وخلصناه به من الذبح (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) أي : في الأمم الآخرة التي تأتي بعده ، والسلام الثناء الجميل. وقال عكرمة : سلام منا ، وقيل : سلامة من الآفات ، والكلام في هذا كالكلام في قوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) وقد تقدم في هذه السورة بيان معناه ، ووجه إعرابه (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أي : مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي من انقاد لأمر الله (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا
__________________
(١). الأنبياء : ٣٥.