كما قدّمنا عنه ، ولا وجه لهذا الاستبعاد. فإنا قد قدّمنا في أوّل البحث ما يرفع الإشكال ، ويوضح ما هو المراد على أحسن وجه وأبلغ أسلوب ، وعلى ما تقتضيه لغة العرب ، ويفيده كلام الفصحاء ، فلا وجه للعدول عن الظاهر ، لا من كتاب ولا من سنة ولا من لغة. وأما ما حكي عن كعب الأحبار في هذا كما قدّمنا ، فإن كان هو سبب عدول أولئك الصحابة الأجلاء عن الظاهر في تفسير الآية ، فليس مثل كعب ـ رحمهالله ـ ممن يقتدى به في مثل هذا. وقد نبهناك فيما سبق أن تفسير الصحابي إذا كان مستنده الرواية عن أهل الكتاب كما يقع ذلك كثيرا ، فلا تقوم به الحجة ولا يسوغ لأجله العدول عن التفسير العربي ، نعم! إن صحت قراءة أبيّ بن كعب ، كانت هي المستند لهذه التفاسير المخالفة للظاهر ، وتكون كالزيادة المبينة للمراد ، وإن لم تصح فالوقوف على ما تقتضيه قراءة الجمهور من السبعة ، وغيرهم ممن قبلهم ، وممن بعدهم هو المتعين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) قال : هي المساجد تكرم وينهى عن اللغو فيها (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) يتلى فيها كتابة (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) صلاة الغداة ، وصلاة العصر ، وهما أوّل ما فرض الله من الصلاة فأحبّ أن يذكرهما ويذكر بهما عباده. وقد ورد في تعظيم المساجد وتنزيهها عن القذر واللغو وتنظيفها وتطييبها أحاديث ليس هذا موضع ذكرها. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : إن صلاة الضحى لفي القرآن وما يغوص عليها إلا غوّاص في قوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ). وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) قال : هم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله. وأخرج ابن مردويه والديلمي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) قال : هم الذين يبتغون من فضل الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية ، قال : كانوا رجالا يبتغون من فضل الله يشترون ويبيعون ، فإذا سمعوا النداء بالصلاة ألقوا ما في أيديهم وقاموا إلى المسجد فصلوا. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في الشعب عنه في الآية ، قال : ضرب الله هذا المثل قوله : «كمشكاة» لأولئك القوم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، وكانوا أتجر الناس وأبيعهم ، ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا عن ذكر الله قال : عن شهود الصلاة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عمر. أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة فأغلقوا حوانيتهم ، ثم دخلوا المسجد ، فقال ابن عمر فيهم نزلت : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ). وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود أنه رأى ناسا من أهل السوق سمعوا الأذان فتركوا أمتعتهم ، فقال : هؤلاء الذين قال الله فيهم (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) وأخرج هنّاد بن السّري في الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب ومحمد بن نصر في الصلاة عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يجمع الله يوم القيامة الناس في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي وينفذهم البصر ، فيقوم مناد فينادي : أين الذين كانوا يحمدون الله في السّرّاء والضّرّاء؟