وصححه وابن مردويه عن أبيّ بن كعب (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، مَثَلُ نُورِهِ) قال : هو المؤمن الذي قد جعل الإيمان والقرآن في صدره فضرب الله مثله فقال : (نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) فبدأ بنور نفسه ، ثم ذكر نور المؤمن ، فقال نور من آمن به ، فكان أبيّ بن كعب يقرؤها «مثل نور من آمن به» فهو المؤمن ، جعل الإيمان والقرآن في صدره (كَمِشْكاةٍ) قال : فصدر المؤمن : المشكاة (فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ) النور ، وهو القرآن والإيمان الذي جعل في صدره (فِي زُجاجَةٍ) و (الزُّجاجَةُ) قلبه (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) يقول كوكب مضيء (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) والشجرة المباركة : أصل المبارك الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) قال : فمثله كمثل شجرة التفت بها الشجر ، فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أي حال كانت ، لا إذا طلعت ، ولا إذا غربت ، فكذلك هذا المؤمن قد أجير من أن يضله شيء من الفتن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أن اليهود قالوا لمحمد : كيف يخلص نور الله من دون السماء؟ فضرب الله مثل ذلك لنوره فقال : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ) المشكاة : كوّة البيت (فِيها مِصْباحٌ) وهو السراج يكون في الزجاجة ، وهو مثل ضربه الله لطاعته ، فسمى طاعته نورا ، ثم سماها أنواعا شتى (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) قال : وهي وسط الشجر ، لا تنالها الشمس إذا طلعت ، ولا إذا غربت ، وذلك أجود الزيت (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) بغير نار (نُورٌ عَلى نُورٍ) يعني بذلك : إيمان العبد وعمله (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) وهو مثل المؤمن. وأخرج الطبراني وابن عدي وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمر في قوله : (كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) قال : المشكاة : جوف محمد صلىاللهعليهوسلم ، والزجاجة : قلبه ، والمصباح : النور الذي في قلبه (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) الشجرة : إبراهيم (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) لا يهودية ولا نصرانية ، ثم قرأ (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن شمر بن عطية قال : جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار ، فقال : حدّثني عن قول الله (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ) قال : مثل نور محمد صلىاللهعليهوسلم كمشكاة قال : المشكاة : الكوّة ضربها الله مثلا لفمه فيها مصباح ، والمصباح قلبه (الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) والزجاجة : صدره (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) شبه صدر محمد صلىاللهعليهوسلم بالكوكب الدّريّ ، ثم رجع المصباح إلى قلبه فقال : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) قال : يكاد محمد صلىاللهعليهوسلم يبين للناس ، ولو لم يتكلم أنه نبيّ ، كما يكاد الزيت أن يضيء ولو لم تمسسه نار.
وأقول : إن تفسير النظم القرآني بهذا ونحوه مما تقدّم عن أبيّ بن كعب وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم ليس على ما تقتضيه لغة العرب ، ولا ثبت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما يجوّز العدول عن المعنى العربي إلى هذه المعاني التي هي شبيهة بالألغاز والتعمية ، ولكن هؤلاء الصحابة ومن وافقهم ممن جاء بعدهم استبعدوا تمثيل نور الله سبحانه بنور المصباح في المشكاة ، ولهذا قال ابن عباس : هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة
__________________
(١). آل عمران : ٦٧.