من حمل ذكر الله على الصلاة المفروضة أن يحمل إقام الصلاة على تأديتها في أوقاتها فرارا من التكرار ولا ملجئ إلى ذلك ، بل يحمل الذكر على معناه الحقيقي كما قدّمنا. والمراد بالزكاة المذكورة : هي المفروضة ، وقيل : المراد بالزكاة طاعة الله والإخلاص ، إذ ليس لكل مؤمن مال (يَخافُونَ يَوْماً) أي : يوم القيامة ، وانتصابه على أنه مفعول للفعل لا ظرف له ، ثم وصف هذا اليوم بقوله : (تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) أي : تضطرب وتتحوّل ، قيل : المراد بتقلب القلوب : انتزاعها من أماكنها إلى الحناجر فلا ترجع إلى أماكنها ولا تخرج ، والمراد بتقلب الأبصار : هو أن تصير عمياء بعد أن كانت مبصرة. وقيل : المراد بتقلب القلوب أنها تكون متقلبة بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك ، وأما تقلب الأبصار فهو النظر من أيّ ناحية يؤخذون ، وإلى أيّ ناحية يصيرون. وقيل : المراد تحوّل قلوبهم وأبصارهم عما كانت عليه من الشك إلى اليقين ، ومثله قوله : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (١) فما كان يراه في الدنيا غيا يراه في الآخرة رشدا. وقيل : المراد التقلب على جمر جهنم ، وقيل غير ذلك (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) متعلق بمحذوف ، أي : يفعلون ما يفعلون من التسبيح والذكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ، أي : أحسن جزاء أعمالهم حسبما وعدهم من تضعيف ذلك إلى عشرة أمثاله وإلى سبعمائة ضعف ، وقيل : المراد بما في هذه الآية ما يتفضل سبحانه به عليه زيادة على ما يستحقونه ، والأوّل أولى لقوله : (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) فإن المراد به التفضل عليهم بما فوق الجزاء الموعود به (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : من غير أن يحاسبه على ما أعطاه ، أو أن عطاءه سبحانه لا نهاية له ، والجملة مقرّرة لما سبقها من الوعد بالزيادة.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : يدبر الأمر فيهما ، نجومهما ، وشمسهما ، وقمرهما. وأخرج الفريابي عنه في قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مثل نوره الذي أعطاه المؤمن (كَمِشْكاةٍ) وقال في تفسير (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) إنها التي في سفح جبل ، لا تصيبها الشمس إذا طلعت ، ولا إذا غربت (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ) فذلك مثل قلب المؤمن نور على نور. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري في المصاحف عن الشّعبيّ قال : في قراءة أبيّ بن كعب مثل نور المؤمن كمشكاة. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في الآية قال : يقول مثل نور من آمن بالله كمشكاة ، وهي : الكوّة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه (مَثَلُ نُورِهِ) قال : هي خطأ من الكاتب هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة ، قال : مثل نور المؤمن كمشكاة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضا (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : هادي أهل السموات والأرض (مَثَلُ نُورِهِ) مثل هداه في قلب المؤمن (كَمِشْكاةٍ) يقول موضع الفتيلة ، كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه ، كذلك يكون قلب المؤمن ، يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ، ونورا على نور ، وفي إسناده عليّ بن أبي طلحة ، وفيه مقال. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم
__________________
(١). ق : ٢٢.