البصري وغيره : معنى ترفع تعظم ، ويرفع شأنها وتطهر من الأنجاس والأقذار ، ورجحه الزجاج وقيل : المراد بالرفع هنا مجموع الأمرين ، ومعنى (يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) كلّ ذكر لله عزوجل ، وقيل : هو التوحيد ، وقيل : المراد تلاوة القرآن ، والأوّل أولى (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) قرأ ابن عامر وأبو بكر «يسبح» بفتح الباء الموحدة مبنيا للمفعول ، وقرأ الباقون بكسرها مبنيا للفاعل إلا ابن وثاب وأبا حيوة فإنهما قرءا بالتاء الفوقية وكسر الموحدة ، فعلى القراءة الأولى يكون القائم مقام الفاعل أحد المجرورات الثلاثة ، ويكون رجال مرفوع على أحد وجهين : إما بفعل مقدّر ، وكأنه جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : من يسبحه؟ فقيل : يسبحه رجال. الثاني : أن رجال مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. وعلى القراءة الثانية يكون رجال فاعل يسبح ، وعلى القراءة الثالثة يكون الفاعل أيضا رجال ، وإنما أنث الفعل لكون جمع التكسير يعامل معاملة المؤنث في بعض الأحوال.
واختلف في هذا التسبيح ما هو؟ فالأكثرون حملوه على الصلاة المفروضة ، قالوا : الغدوّ : صلاة الصبح ، والآصال : صلاة الظهر والعصر والعشاءين ، لأن اسم الآصال يشملها ، ومعنى بالغدوّ والآصال : بالغداة والعشي ، وقيل : صلاة الصبح والعصر ، وقيل : المراد صلاة الضحى ، وقيل : المراد بالتسبيح هنا : معناه الحقيقي ، وهو تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به في ذاته وصفاته وأفعاله ، ويؤيد هذا ذكر الصلاة والزكاة بعده ، وهذا أرجح مما قبله ، لكونه المعنى الحقيقي ، مع وجود دليل يدل على خلاف ما ذهب إليه الأوّلون ، وهو ما ذكرناه (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) هذه الجملة صفة لرجال ، أي : لا تشغلهم التجارة والبيع عن الذكر ؛ وخصّ التجارة بالذكر لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الذكر. وقال الفراء : التجارة لأهل الجلب ، والبيع ما باعه الرجل على بدنه ، وخصّ قوم التجارة هاهنا بالشراء لذكر البيع بعدها. وبمثل قول الفراء ، قال الواقدي : فقال التجار : هم الجلاب المسافرون والباعة المقيمون ، ومعنى عن ذكر الله : هو ما تقدّم في قوله : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) وقيل : المراد الأذان ، وقيل : عن ذكره بأسمائه الحسنى. أي : يوحدونه ويمجدونه. وقيل : المراد : عن الصلاة ، ويردّه ذكر الصلاة بعد الذكر هنا. والمراد بإقام الصلاة إقامتها لمواقيتها من غير تأخير وحذفت التاء لأن الإضافة تقوم مقامها في ثلاث كلمات جمعها الشاعر في قوله :
ثلاثة تحذف تاءاتها |
|
مضافة عند جمع النّحاة |
وهي إذا شئت أبو عذرها |
|
وليت شعري وإقام الصلاة |
وأنشد الفراء في الاستشهاد للحذف المذكور في هذه الآية قول الشاعر :
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا |
|
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا |
أي : عدة الأمر ، وفي هذا البيت دليل على أن الحذف مع الإضافة لا يختص بتلك الثلاثة المواضع. قال الزجاج : وإنما حذفت الهاء لأنه يقال : أقمت الصلاة إقامة ، وكان الأصل إقواما ، ولكن قلبت الواو ألفا فاجتمعت ألفان فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين ، فبقي أقمت الصلاة إقاما ، فأدخلت الهاء عوضا من المحذوف وقامت الإضافة هاهنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة ، وهذا إجماع من النحويين. انتهى. وقد احتاج