أشبه بهذا الوصف لأنه الذي ينير ويضيء ، وإنما الزجاجة وعاء له. وقرأ نصر بن عاصم كقراءة أبي عمرو ومن معه إلا أنه ضم الدال على أنه فعل مضارع ، وأصله تتوقد. ثم وصف الزيتونة بوصف آخر فقال : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) قرأ الجمهور «تمسسه» بالفوقية ، لأن النار مؤنثة. قال أبو عبيد : إنه لا يعرف إلا هذه القراءة. وحكى أبو حاتم أن السدّي روى عن أبي مالك عن ابن عباس أنه قرأ «يمسسه» بالتحتية لكونه تأنيث النار غير حقيقي. والمعنى : أن هذا الزيت في صفائه وإنارته يكاد يضيء بنفسه من غير أن تمسه النار أصلا ، وارتفاع (نُورُ) على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هو نور ، و (عَلى نُورٍ) متعلق بمحذوف هو صفة لنور مؤكدة له ، والمعنى : هو نور كائن على نور. قال مجاهد : والمراد النار على الزيت. وقال الكلبي : المصباح : نور ، والزجاجة : نور. وقال السدّي : نور الإيمان ونور القرآن (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده : أي هداية خاصة موصلة إلى المطلوب ، وليس المراد بالهداية هنا مجرّد الدلالة (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) أي يبين الأشياء بأشباهها ونظائرها تقريبا لها إلى الأفهام وتسهيلا لإدراكها ، لأن إبراز المعقول في هيئة المحسوس وتصويره بصورته يزيده وضوحا وبيانا (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) لا يغيب عنه شيء من الأشياء معقولا كان أو محسوسا ، ظاهرا أو باطنا. واختلف في قوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) بم هو متعلق؟ فقيل متعلق بما قبله ، أي : كمشكاة في بعض بيوت الله وهي المساجد ، كأنه قيل : مثل نوره كما ترى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت ، وقيل : متعلق بمصباح. وقال ابن الأنباري : سمعت أبا العباس يقول : هو حال للمصباح والزجاجة والكوكب ، كأنه قيل : وهي في بيوت ، وقيل : متعلق بتوقد ، أي : توقد في بيوت ، وقد قيل : متعلق بما بعده ، وهو يسبح ، أي : يسبح له رجال في بيوت ، وعلى هذا يكون قوله : «فيها» تكريرا كقولك : زيد في الدار جالس فيها. وقيل : إنه منفصل عما قبله ، كأنه قال الله : في بيوت أذن الله أن ترفع. قال الحكيم الترمذي : وبذلك جاءت الأخبار أنه من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه. وقد قيل : على تقدير تعلقه بمشكاة أو بمصباح أو بتوقد ما الوجه في توحيد المصباح والمشكاة وجمع البيوت؟ ولا تكون المشكاة الواحدة ولا المصباح الواحد إلا في بيت واحد. وأجيب بأن هذا من الخطاب الذي يفتح أوّله بالتوحيد ، ويختم بالجمع كقوله سبحانه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (١) ونحوه. وقيل : معنى في بيوت : في كلّ واحد من البيوت ، فكأنه قال : في كلّ بيت ، أو في كلّ واحد من البيوت. واختلف الناس في البيوت ، على أقوال الأوّل : أنها المساجد ، وهو قول مجاهد والحسن وغيرهما. الثاني : أن المراد بها بيوت بيت المقدس ، روي ذلك عن الحسن. الثالث أنها بيوت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، روي عن مجاهد : الرابع : هي البيوت كلها ، قال عكرمة. الخامس : أنها المساجد الأربعة الكعبة ، ومسجد قباء ، ومسجد المدينة ، ومسجد بيت المقدس ، قال ابن زيد. والقول الأوّل أظهر لقوله : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) والباء من بيوت تضم وتكسر كلّ ذلك ثابت في اللغة ، ومعنى أذن الله أن ترفع : أمر وقضى ، ومعنى ترفع تبنى ، قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما ، ومنه قوله سبحانه (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) (٢) وقال الحسن
__________________
(١). الطلاق : ١.
(٢). البقرة : ١٢٧.