فروجهم عن أن يراها من لا تحلّ له رؤيتها ، ولا مانع من إرادة المعنيين ، فالكل يدخل تحت حفظ الفرج. قيل : ووجه المجيء بمن في الأبصار دون الفروج أنه موسع في النظر فإنه لا يحرم منه إلا ما استثني ، بخلاف حفظ الفرج فإنه مضيّق فيه ، فإنه لا يحلّ منه إلا ما استثني. وقيل : الوجه أن غضّ البصر كله كالمتعذر ، بخلاف حفظ الفرج فإنه ممكن على الإطلاق ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما ذكر من الغضّ والحفظ ، وهو مبتدأ ، وخبره (أَزْكى لَهُمْ) أي : أظهر لهم من دنس الريبة وأطيب من التلبس بهذه الدنيئة (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) لا يخفى عليه شيء من صنعهم ، وفي ذلك وعيد لمن لم يغضّ بصره ويحفظ فرجه (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) خصّ سبحانه الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد لدخولهنّ تحت خطاب المؤمنين تغليبا كما في سائر الخطابات القرآنية ، وظهر التضعيف في يغضضن ولم يظهر في يغضوا ، لأن لام الفعل من الأوّل متحرّكة ومن الثاني ساكنة وهما في موضع جزم جوابا للأمر ، وبدأ سبحانه بالغضّ في الموضعين قبل حفظ الفرج ، لأن النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج ، والوسيلة مقدّمة على المتوسل إليه ، ومعنى : يغضضن من أبصارهنّ كمعنى يغضوا من أبصارهم ، فيستدلّ به على تحريم نظر النساء إلى ما يحرم عليهنّ ، وكذلك يجب عليهنّ حفظ فروجهنّ على الوجه الذي تقدّم في حفظ الرجال لفروجهم (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) أي : ما يتزيّن به من الحلية وغيرها ، وفي النهي عن إبداء الزينة ، نهى عن إبداء مواضعها من أبدانهنّ بالأولى. ثم استثنى سبحانه من هذا النهي ، فقال : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها).
واختلف الناس في ظاهر الزينة ما هو؟ فقال ابن مسعود وسعيد بن جبير : ظاهر الزينة هو الثياب وزاد سعيد بن جبير الوجه. وقال عطاء والأوزاعي : الوجه والكفان. وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة : ظاهر الزينة هو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الساق ونحو ذلك ، فإنه يجوز للمرأة أن تبديه. وقال ابن عطية : إن المرأة لا تبدي شيئا من الزينة وتخفي كل شيء من زينتها ، ووقع الاستثناء فيما يظهر منها بحكم الضرورة. ولا يخفي عليك أن ظاهر النظم القرآني النهي عن إبداء الزينة إلا ما ظهر منها كالجلباب والخمار ونحوهما مما على الكف والقدمين من الحلية ونحوها ، وإن كان المراد بالزينة مواضعها كان الاستثناء راجعا إلى ما يشق على المرأة ستره كالكفين والقدمين ونحو ذلك. وهكذا إذا كان النهي عن إظهار الزينة يستلزم النهي عن إظهار مواضعها بفحوى الخطاب ، فإنه يحمل الاستثناء على ما ذكرناه في الموضعين ؛ وأما إذا كانت الزينة تشمل مواضع الزينة وما تتزين به النساء فالأمر واضح ، والاستثناء يكون من الجميع. قال القرطبي في تفسيره : الزينة على قسمين : خلقية ، ومكتسبة ؛ فالخلقية وجهها فإنه أصل الزينة ، والزينة المكتسبة ما تحاوله المرأة في تحسين خلقها كالثياب والحلي والكحل والخضاب ، ومنه قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ) (١) وقول الشاعر :
يأخذن زينتهنّ أحسن ما ترى |
|
وإذا عطلن فهنّ خير عواطل |
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) قرأ الجمهور بإسكان اللام التي للأمر. وقرأ أبو عمرو بكسرها
__________________
(١). الأعراف : ٣١.