على الأصل لأن أصل لام الأمر الكسر ، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس : والخمر جمع خمار ، ومنه : اختمرت المرأة وتخمرت. والجيوب : جمع جيب ، وهو موضع القطع من الدرع والقميص ، مأخوذ من الجوب وهو القطع. قال المفسرون : إن نساء الجاهلية كنّ يسدلن خمرهنّ من خلفهنّ ، وكانت جيوبهنّ من الأمام واسعة ، فكان تنكشف نحورهنّ وقلائدهنّ ، فأمرن أن يضربن مقانعهنّ على الجيوب لتستر بذلك ما كان يبدو ، وفي لفظ الضرب مبالغة في الإلقاء الذي هو الإلصاق. قرأ الجمهور «بخمرهنّ» بتحريك الميم ، وقرأ طلحة بن مصرف بسكونها. وقرأ الجمهور «جيوبهنّ» بضم الجيم ، وقرأ ابن كثير وبعض الكوفيين بكسرها ، وكثير من متقدمي النحويين لا يجوّزون هذه القراءة. وقال الزجاج : يجوز أن يبدل من الضمة كسرة ، فأما ما روي عن حمزة من الجمع بين الضم والكسر ، فمحال لا يقدر أحد أن ينطق به إلا على الإيماء ، وقد فسر الجمهور الجيوب بما قدّمنا ، وهو المعنى الحقيقي. وقال مقاتل : إن معنى على جيوبهنّ : على صدورهنّ ، فيكون في الآية مضاف محذوف ، أي : على مواضع جيوبهنّ. ثم كرر سبحانه النهي عن إبداء الزينة لأجل ما سيذكره من الاستثناء فقال : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) البعل : هو الزوج والسيد في كلام العرب ، وقدّم البعولة لأنهم المقصودون بالزينة ، ولأن كل بدن الزوجة والسرية حلال لهم ، ومثله قوله سبحانه : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (١) ثم لما استثنى سبحانه الزوج أتبعه باستثناء ذوي المحارم فقال : (أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَ) إلى قوله : (أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَ) فجوّز للنساء أن يبدين الزينة لهؤلاء لكثرة المخالطة وعدم خشية الفتنة لما في الطباع من النفرة عن القرائب. وقد روي عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا لا ينظران إلى أمهات المؤمنين ، ذهابا منهما إلى أن أبناء البعولة لم يذكروا في الآية التي في أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم وهي قوله : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ) والمراد بأبناء بعولتهنّ : ذكور أولاد الأزواج ، ويدخل في قوله : (أَوْ أَبْنائِهِنَ) أولاد الأولاد وإن سفلوا ، وأولاد بناتهنّ وإن سفلوا ، وكذا آباء البعولة ، وآباء الآباء ، وآباء الأمهات وإن علوا ، وكذلك أبناء البعولة وإن سفلوا ، وكذلك أبناء الإخوة والأخوات. وذهب الجمهور إلى أن العمّ والخال كسائر المحارم في جواز النظر إلى ما يجوز لهم ، وليس في الآية ذكر الرضاع ، وهو كالنسب. وقال الشعبي وعكرمة : ليس العمّ والخال من المحارم ، ومعنى (أَوْ نِسائِهِنَ) هنّ المختصات بهنّ الملابسات لهنّ بالخدمة أو الصحبة ، ويدخل في ذلك الإماء ، ويخرج من ذلك نساء الكفار من أهل الذمة وغيرهم ، فلا يحل لهنّ أن يبدين زينتهنّ لهنّ لأنهن لا يتحرجنّ عن وصفهنّ للرجال. وفي هذه المسألة خلاف بين أهل العلم ، وإضافة النساء إليهن تدل على اختصاص ذلك بالمؤمنات (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء ، من غير فرق بين أن يكونوا مسلمين أو كافرين ، وبه قال جماعة من أهل العلم ، وإليه ذهبت عائشة وأمّ سلمة وابن عباس ومالك. وقال سعيد ابن المسيب : لا تغرّنكم هذه الآية (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) إنما عنى بها الإماء ولم يعن بها العبيد. وكان الشعبي يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته ، وهو قول عطاء ومجاهد والحسن وابن سيرين ، وروي عن
__________________
(١). المؤمنون : ٥ و ٦ والمعارج : ٢٩ و ٣٠.