الجمهور «آتيتم» بمعنى أعطيتم ، وقرأ مجاهد ، وحميد ، وابن كثير بالقصر بمعنى ما فعلتم ، وأجمعوا على القراءة بالمدّ في قوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) وأصل الربا : الزيادة ، وقراءة القصر تؤول إلى قراءة المدّ ، لأن معناها ما فعلتم على وجه الإعطاء ، كما تقول : أتيت خطأ وأتيت صوابا ؛ والمعنى في الآية : ما أعطيتم من زيادة خالية عن العوض (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ) أي : ليزيد ، ويزكو في أموالهم (فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) أي : لا يبارك الله فيه. قال السديّ : الربا في هذا الموضع : الهدية يهديها الرجل لأخيه يطلب المكافأة ، لأن ذلك لا يربو عند الله ، لا يؤجر عليه صاحبه ، ولا إثم عليه ، وهكذا قال قتادة والضحاك. قال الواحدي : وهذا قول جماعة المفسرين. قال الزجاج : يعني دفع الإنسان الشيء ليعوّض أكثر منه ، وذلك ليس بحرام ، ولكنه لا ثواب فيه ، لأن الذي يهبه يستدعي به ما هو أكثر منه. وقال الشعبي : معنى الآية أن ما خدم به الإنسان أحدا لينتفع به في دنياه ، فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة لا يربو عند الله. وقيل : هذا كان حراما على النبي صلىاللهعليهوسلم على الخصوص لقوله سبحانه : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ومعناها : أن تعطي فتأخذ أكثر منه عوضا عنه. وقيل : إن هذه الآية نزلت في هبة الثواب. قال ابن عطية : وما يجري مجراه مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه. قال عكرمة : الربا ربوان : فربا حلال ، وربا حرام ، فأما الربا الحلال : فهو الذي يهدي يلتمس ما هو أفضل منه ، يعني : كما في هذه الآية. وقيل : إن هذا الذي في هذه الآية هو الربا المحرّم ، فمعنى لا يربو عند الله على هذا القول : لا يحكم به ، بل هو للمأخوذ منه.
قال المهلب : اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب بها الثواب ، فقال مالك : ينظر فيه ، فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له ؛ فله ذلك ، مثل هبة الفقير للغنيّ ، وهبة الخادم للمخدوم ، وهبة الرجل لأميره ، وهو أحد قولي الشافعي. وقال أبو حنيفة : لا يكون له ثواب إذا لم يشترط ، وهو قول الشافعي الآخر. قرأ الجمهور «ليربو» بالتحتية على أن الفعل مسند إلى ضمير الربا. وقرأ نافع ويعقوب بالفوقية مضمومة خطابا للجماعة ؛ بمعنى : لتكونوا ذوي زيادات. وقرأ أبو مالك «لتربوها» ومعنى الآية : أنه لا يزكو عند الله ، ولا يثيب عليه ، لأنه لا يقبل إلا ما أريد به وجهه ، خالصا له (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) أي : وما أعطيتم من صدقة لا تطلبون بها المكافأة ، وإنما تقصدون بها ما عند الله (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) المضعف دون الأضعاف من الحسنات الذين يعطون بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الفراء : هو نحو قولهم : مسمن ومعطش ومضعف إذا كانت له إبل سمان ، أو عطاش ، أو ضعيفة. وقرأ أبيّ «المضعفون» بفتح العين اسم مفعول (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) عاد سبحانه إلى الاحتجاج على المشركين ، وأنه الخالق الرازق المميت المحيي ، ثم قال على جهة الاستفهام : (هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ) ومعلوم أنهم يقولون : ليس فيهم من يفعل شيئا من ذلك ، فتقوم عليهم الحجة ، ثم نزّه سبحانه نفسه فقال : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي : نزّهوه تنزيها ، وهو متعال عن أن يجوز عليه شيء من ذلك ، وقوله : (مِنْ شُرَكائِكُمْ) : خبر مقدّم ، ومن : للتبعيض ، والمبتدأ : هو الموصول ، أعني : من يفعل ، ومن ذلكم : متعلق بمحذوف ؛