أوزارهم التي عملوها ، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) أي : أوزارا مع أوزارهم. وهي أوزار من أضلوهم ، وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة ، ومثله قوله سبحانه : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١) ومثله قوله صلىاللهعليهوسلم «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم ، وغيره (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) تقريعا وتوبيخا (عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا. وقال مقاتل : يعني قولهم ونحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله.
وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في قوله : (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) الآية قال : أنزلت في ناس كانوا بمكة قد أقرّوا بالإسلام ، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المدينة ، لما أنزلت آية الهجرة أنه لا يقبل منكم إقرار ، ولا إسلام حتى تهاجروا ، قال : فخرجوا عامدين إلى المدينة ، فاتبعهم المشركون ، فردّوهم ، فنزلت فيهم هذه الآية ، فكتبوا إليهم أنه قد أنزل فيكم كذا وكذا ، فقالوا : نخرج فإن اتبعنا أحد قاتلناه ، فخرجوا فاتبعهم المشركون ، فقاتلوهم ، فمنهم من قتل ومنهم من نجا ، فأنزل الله فيهم (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه بأخصر منه. وأخرج ابن سعد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن عساكر عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال : نزلت في عمار بن ياسر ؛ إذ كان يعذب في الله (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) الآية. وأخرج ابن ماجة ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : أوّل من أظهر الله إسلامه سبعة : رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ، وسمية أم عمار ، وعمار ، وصهيب ، وبلال ، والمقداد. فأما رسول الله صلىاللهعليهوسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب ، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه ، وأما سائرهم فأخذهم المشركون ، فألبسوهم أدرع الحديد ، وصهروهم في الشمس ، فما منهم من أحد إلا وقد أتاهم على ما أرادوا إلا بلال ، فإنه هانت عليه نفسه في الله ، وهان على قومه ، فأخذوه فأعطوه الولدان ، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة ، وهو يقول : أحد أحد. وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (أَنْ يَسْبِقُونا) قال : أن يعجزونا. وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن سعد بن أبي وقاص قال : قالت أمي لا آكل طعاما ، ولا أشرب شرابا حتى تكفر بمحمّد فامتنعت من الطعام والشراب ، حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا (٣) ، فنزلت هذه الآية (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) وأخرجه أيضا الترمذي من حديثه ، وقال : نزلت في أربع آيات وذكر نحو هذه القصة ، وقال : حسن صحيح. وقد أخرج هذا الحديث أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي أيضا. وأخرج أحمد ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وصححه ، وابن ماجة ، وأبو يعلى ، وابن حبان ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، والضياء عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد أوذيت في الله وما
__________________
(١). النحل : ٢٥.
(٢). النحل : ١١٠.
(٣). الشّجر : مفتح الفم ، والمقصود : ادخلوا في شجره عودا حتى يفتحوه.