(لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي : في زمرة الراسخين في الصلاح ، ويجوز أن يكون في محل نصب على الاشتغال ، ويجوز أن يكون المعنى : لندخلنهم في مدخل الصالحين ، وهو الجنة كذا قيل ، والأوّل أولى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أي : في شأن الله ولأجله كما يفعله أهل الكفر مع أهل الإيمان ، وكما يفعله أهل المعاصي مع أهل الطاعات ، من إيقاع الأذى عليهم لأجل الإيمان بالله ، والعمل بما أمر به (جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ) التي هي ما يوقعونه عليه من الأذى (كَعَذابِ اللهِ) أي : جزع من أذاهم. فلم يصبر عليه وجعله في الشدّة ، والعظم كعذاب الله ، فأطاع الناس كما يطيع الله ، وقيل : هو المنافق إذا أوذي في الله رجع عن الدين فكفر. قال الزجاج : ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) أي : نصر من الله للمؤمنين ، وفتح وغلبة للأعداء وغنيمة يغنمونها منهم (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي : داخلون معكم في دينكم ، ومعاونون لكم على عدوّكم ، فكذبهم الله. وقال : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ) أي : هو سبحانه أعلم بما في صدورهم منهم من خير وشرّ ، فكيف يدّعون هذه الدعوى الكاذبة. وهؤلاء هم قوم ممن كان في إيمانهم ضعف ، كانوا إذا مسهم الأذى من الكفار وافقوهم. وإذا ظهرت قوّة الإسلام ونصر الله المؤمنين في موطن من المواطن (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) وقيل : المراد بهذا ، وما قبله : المنافقون. قال مجاهد : نزلت في ناس كانوا يؤمنون بالله بألسنتهم. فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة افتتنوا. وقال الضحاك : نزلت في ناس من المنافقين بمكة ، كانوا يؤمنون ، فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك ، والظاهر أن هذا النظم من قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) إلى قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) نازل في المنافقين لما يظهر من السياق ، ولقوله : (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده : أي : ليميزن الله بين الطائفتين ، ويظهر إخلاص المخلصين ، ونفاق المنافقين ، فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى ، ويصبر في الله حق الصبر ، ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله. والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا ، فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم ، وكفر بالله عزوجل ، وإن خفقت ريح الإسلام ، وطلع نصره ، ولاح فتحه رجع إلى الإسلام ، وزعم أنه من المسلمين (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) اللام في «للذين آمنوا» هي : لام التبليغ ، أي : قالوا مخاطبين لهم كما سبق بيانه في غير موضع ، أي : قالوا لهم اسلكوا طريقتنا ، وادخلوا في ديننا (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أي : إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور ، كما تقولون فلنحمل ذلك عنكم ، فنؤاخذ به دونكم ، واللام في لنحمل : لام الأمر ، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك. وقال الفراء والزجاج : هو أمر في تأويل الشرط والجزاء ، أي : إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم ، ثم ردّ الله عليهم بقوله : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ) من الأولى : بيانية. والثانية : مزيدة للاستغراق ، أي : وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها وضمنوا لهم حملها ، ثم وصفهم الله سبحانه بالكذب في هذا التحمل فقال : (إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم. قال المهدوي : هذا التكذيب لهم من الله عزوجل حمل على المعنى ، لأن المعنى : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر ، أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أي :