موصولة ، ودخلت الفاء في جوابها تشبيها لها بالشرطية. وفي الآية من الوعد والوعيد ، والترهيب والترغيب ما لا يخفى (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوال عباده (الْعَلِيمُ) بما يسرونه وما يعلنونه (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) أي : من جاهد الكفار وجاهد نفسه بالصبر على الطاعات فإنما يجاهد لنفسه ، أي : ثواب ذلك له لا لغيره ولا يرجع إلى الله سبحانه من نفع ذلك شيء (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) فلا يحتاج إلى طاعاتهم كما لا تضرّه معاصيهم. وقيل المعنى : ومن جاهد عدوّه لنفسه لا يريد بذلك وجه الله ، فليس لله حاجة بجهاده ، والأوّل : أولى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي : لنغطينها عنهم بالمغفرة ، بسبب ما عملوا من الصالحات (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : بأحسن جزاء أعمالهم ، وقيل : بجزاء أحسن أعمالهم ، والمراد بأحسن : مجرّد الوصف لا التفضيل لئلا يكون جزاؤهم بالحسن مسكوتا عنه ، وقيل : يعطيهم أكثر وأحسن منه كما في قوله : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١) (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) انتصاب حسنا على أنه نعت مصدر محذوف ، أي : إيصاء حسنا على المبالغة ، أو على حذف المضاف : أي : ذا حسن. هذا مذهب البصريين ، وقال الكوفيون : تقديره ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا ، فهو مفعول لفعل مقدّر ، ومنه قول الشاعر :
عجبت من دهماء إذ تشكونا |
|
ومن أبي دهماء إذ يوصينا |
خيرا بها كأنّما خافونا
أي : يوصينا أن نفعل بها خيرا ، ومثله قول الحطيئة :
وصّيت من برّة قلبا حرّا |
|
بالكلب خيرا والحمأة شرّا |
قال الزجاج : معناه ووصينا الإنسان : أن يفعل بوالديه ما يحسن ، وقيل : هو صفة لموصوف محذوف ، أي : ووصيناه أمرا ذا حسن ، وقيل : هو منتصب على أنه مفعول به على التضمين ، أي : ألزمناه حسنا ، وقيل : منصوب بنزع الخافض ، أي : ووصيناه بحسن ، وقيل : هو مصدر لفعل محذوف ، أي : يحسن حسنا ، ومعنى الآية : التوصية للإنسان بوالديه بالبرّ بهما ، والعطف عليهما. قرأ الجمهور «حسنا» بضم الحاء وإسكان السين ، وقرأ أبو رجاء ، وأبو العالية ، والضحاك بفتحهما ، وقرأ الجحدري «إحسانا» وكذا في مصحف أبيّ (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) أي : طلبا منك ، وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك به علم بكونه إلها فلا تطعهما ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وعبر بنفي العلم عن نفي الإله لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه ، فكيف بما علم بطلانه؟ وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له ، فعدم جوازها مع تجرّد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى ، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه ، فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صحّ ذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي : أخبركم بصالح أعمالكم ، وطالحها ، فأجازي كلا منكم بما يستحقه ، والموصول في قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) في محل رفع على الابتداء وخبره
__________________
(١). الأنعام : ١٦٠.