الأعوان. وهذا الكلام خارج مخرج التقريع والتوبيخ لقارون ، لأنه قد قرأ التوراة ، وعلم علم القرون الأولى ، وإهلاك الله سبحانه لهم (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) أي : لا يسألون سؤال استعتاب كما في قوله : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (١) (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) (٢) وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ كما في قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٣) وقال مجاهد : لا تسأل الملائكة غدا عن المجرمين لأنهم يعرفون بسيماهم ، فإنهم يحشرون ؛ سود الوجوه ، زرق العيون. وقال قتادة : لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها ، بل يدخلون النار. وقيل : لا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) الفاء للعطف على «قال» وما بينهما اعتراض ، و «في زينته» متعلق بخرج ، أو بمحذوف هو حال من فاعل خرج. وقد ذكر المفسرون في هذه الزينة التي خرج فيها روايات مختلفة ، والمراد أنه خرج في زينة انبهر لها من رآها ، ولهذا تمنى الناظرون إليه أن يكون لهم مثلها ، كما حكى الله عنهم بقوله : (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) وزينتها (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي : نصيب وافر من الدنيا.
واختلف في هؤلاء القائلين بهذه المقالة ، فقيل : هم من مؤمني ذلك الوقت ، وقيل : هم قوم من الكفار (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهم أحبار بني إسرائيل ، قالوا للذين تمنوا : (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ) أي : ثواب الله في الآخرة خير مما تمنونه (لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) فلا تمنوا عرض الدنيا الزائل الذي لا يدوم (وَلا يُلَقَّاها) أي : هذه الكلمة التي تكلم بها الأحبار ، وقيل : الضمير يعود إلى الأعمال الصالحة ، وقيل : إلى الجنة (إِلَّا الصَّابِرُونَ) على طاعة الله ، والمصبرون أنفسهم عن الشهوات (فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) يقال : خسف المكان يخسف خسوفا : ذهب في الأرض ، وخسف به الأرض خسفا : أي غاب به فيها ، والمعنى : أن الله سبحانه غيبه ، وغيب داره في الأرض (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) أي : ما كان له جماعة يدفعون ذلك عنه (وَما كانَ) هو في نفسه (مِنَ المُنْتَصِرِينَ) من الممتنعين مما نزل به من الخسف (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ) أي : منذ زمان قريب (يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) أي : يقول كلّ واحد منهم متندّما على ما فرط منه من التمني. قال النحاس : أحسن ما قيل في هذا ؛ ما قاله الخليل ، وسيبويه ، ويونس ، والكسائي أن القوم تنبهوا فقالوا : وي! والمتندم من العرب يقول في خلال ندمه : وي. قال الجوهري : وي : كلمة تعجب ، ويقال : ويك ، وقد تدخل وي على كأن المخففة ، والمشددة ، ويكأن الله. قال الخليل : هي مفصولة تقول وي ، ثم تبتدئ فتقول كأن. وقال الفراء : هي كلمة تقرير كقولك : أما ترى صنع الله ، وإحسانه ، وقيل : هي كلمة تنبيه بمنزلة ألا. وقال قطرب : إنما هو ويلك فأسقطت لامه ، ومنه قول عنترة :
ولقد شفا نفسي وأبرأ سقمها |
|
قول الفوارس ويك عنتر أقدم |
وقال ابن الأعرابي : معنى ويكأن الله : أعلم أن الله. وقال القتبي : معناها بلغة حمير رحمة ، وقيل : هي بمعنى ألم تر؟ وروي عن الكسائي أنه قال : هي كلمة تفجع (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) برحمته ، وعصمنا
__________________
(١). النحل : ٨٤.
(٢). فصلت : ٢٤.
(٣). الحجر : ٩٢.