من مثل ما كان عليه قارون من البطر ، والبغي ، ولم يؤاخذنا بما وقع منا من ذلك التمني (لَخَسَفَ بِنا) كما خسف به. قرأ حفص «لخسف» مبنيا للفاعل ، وقرأ الباقون مبنيا للمفعول (وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) أي : لا يفوزون بمطلب من مطالبهم (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) أي : الجنة ، والإشارة إليها لقصد التعظيم لها ، والتفخيم لشأنها ، كأنه قال : تلك التي سمعت بخبرها ، وبلغك شأنها (نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) أي : رفعة وتكبرا على المؤمنين (وَلا فَساداً) أي : عملا بمعاصي الله سبحانه فيها ، وذكر العلوّ والفساد منكرين في حيز النفي ، يدلّ على شمولهما لكلّ ما يطلق عليه أنه علوّ ، وأنه فساد من غير تخصيص بنوع خاص ، أما الفساد : فظاهر أنه لا يجوز شيء منه ، كائنا ما كان ، وأما العلوّ : فالممنوع منه ما كان على طريق التكبر على الغير ، والتطاول على الناس ، وليس منه طلب العلو في الحقّ ، والرئاسة في الدين ، ولا محبة اللباس الحسن ، والمركوب الحسن ، والمنزل الحسن (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) وهو أن الله يجازيه بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي : إلا مثل ما كانوا يعملون ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقد تقدّم بيان معنى هذه الآية في سورة النمل (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) قال المفسرون : أي أنزل عليك القرآن. وقال الزجاج : فرض عليك العمل بما يوجبه القرآن ، وتقدير الكلام : فرض عليك أحكام القرآن وفرائضه (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) قال جمهور المفسرين : أي إلى مكة. وقال مجاهد ، وعكرمة ، والزهري ، والحسن : إن المعنى : لرادّك إلى يوم القيامة ، وهو اختيار الزجاج ، يقال بيني وبينك المعاد ، أي : يوم القيامة ، لأن الناس يعودون فيه أحياء. وقال أبو مالك وأبو صالح : لرادّك إلى معاد الجنة. وبه قال أبو سعيد الخدري ، وروي عن مجاهد. وقيل «إلى معاد» : إلى الموت (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وإنك في ضلال ، والمراد من جاء بالهدى هو النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ومن هو في ضلال مبين : المشركون ، والأولى : حمل الآية على العموم ، وأن الله سبحانه يعلم حال كلّ طائفة من هاتين الطائفتين ويجازيها بما تستحقه من خير وشرّ (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ) أي : ما كنت ترجو أنا نرسلك إلى العباد ، وننزل عليك القرآن. وقيل : ما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب بردّك إلى معادك ، والاستثناء في قوله : (إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) منقطع ، أي : لكن إلقاؤه عليك رحمة من ربك ، ويجوز أن يكون متصلا حملا على المعنى ، كأنه قيل : وما ألقي إليك الكتاب إلا لأجل الرحمة من ربك. والأوّل : أولى ، وبه جزم الكسائي ، والفرّاء (فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) أي : عونا لهم ، وفيه تعريض بغيره من الأمة. وقيل : المراد لا تكوننّ ظهيرا لهم بمداراتهم (وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي : لا يصدنك يا محمّد الكافرون وأقوالهم وكذبهم وأذاهم عن تلاوة آيات الله والعمل بها بعد إذ أنزلها الله إليك وفرضت عليك. قرأ الجمهور بفتح الياء وضم الصاد من صدّه يصدّه. وقرأ عاصم بضم الياء وكسر الصاد ، من أصدّه بمعنى صدّه (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي : ادع الناس إلى الله وإلى توحيده ، والعمل بفرائضه ، واجتناب معاصيه (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وفيه تعريض بغيره كما تقدّم ، لأنه صلىاللهعليهوسلم