وملؤه (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) إذا لم يكن معي هارون لعدم انطلاق لساني بالمحاجة (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) أي : نقويك به ، فشدّ العضد كناية عن التقوية ، ويقال في دعاء الخير : شدّ الله عضدك ، وفي ضدّه : فتّ الله في عضدك. قرأ الجمهور (عَضُدَكَ) بفتح العين. وقرأ الحسين وزيد بن عليّ بضمها. وروي عن الحسن أيضا أنه بضمة وسكون. وقرأ عيسى بن عمر بفتحهما (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي : حجة وبرهانا. أو تسلطا عليه ، وعلى قومه (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما) بالأذى ولا يقدرون على غلبتكما بالحجة ، و (بِآياتِنا) متعلق بمحذوف : أي تمتنعان منهم بآياتنا ، أو اذهبا بآياتنا. وقيل : الباء للقسم ، وجوابه يصلون ، وما أضعف هذا القول. وقال الأخفش وابن جرير : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) بآياتنا ، وأوّل هذه الوجوه : أولاها ، وفي «أنتما ومن اتبعكما الغالبون» : تبشير لهما وتقوية لقلوبهما (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) البينات : الواضحات الدلالة ، وقد تقدّم وجه إطلاق الآيات ، وهي جمع على العصا واليد في سورة طه (قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) أي : مختلق مكذوب ، اختلقته من قبل نفسك (وَما سَمِعْنا بِهذا) الذي جئت به من دعوى النبوّة ، أو ما سمعنا بهذا السحر (فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي : كائنا ، أو واقعا في آبائنا الأوّلين (وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) يريد نفسه ، وإنما جاء بهذه العبارة لئلا يصرّح لهم بما يريده قبل أن يوضح لهم الحجة ، والله أعلم. قرأ الجمهور (وَقالَ مُوسى) بالواو ، وقرأ مجاهد وابن كثير وابن محيصن «قال موسى» بلا واو ، وكذلك هو في مصاحف أهل مكة. وقرأ الكوفيون إلا عاصما «ومن يكون له عاقبة الدّار» بالتحتية على أن اسم يكون عاقبة الدار. والتذكير لوقوع الفصل ، ولأنه تأنيث مجازي ، وقرأ الباقون (تكون) بالفوقية ، وهي أوضح من القراءة الأولى ، والمراد بالدار هنا الدنيا وعاقبتها هي الدار الآخرة ، والمعنى : لمن تكون له العاقبة المحمودة؟ والضمير في (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) للشأن ، أي : إن الشأن أنه لا يفلح الظالمون ، أي : لا يفوزون بمطلب خير ، ويجوز أن يكون المراد بعاقبة الدار : خاتمة الخير ، وقال فرعون (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) تمسك اللعين بمجرّد الدعوى الباطلة مغالطة لقومه منه ، وقد كان يعلم أنه ربه الله عزوجل ، ثم رجع إلى تكبره وتجبره ، وإيهام قومه بكمال اقتداره ، فقال : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) أي : اطبخ لي الطين حتى يصير آجرا (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) أي : اجعل لي من هذا الطين الذي توقد عليه حتى يصير آجرا صرحا : أي قصرا عاليا (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أي : أصعد إليه (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ) والطلوع ، والاطلاع : واحد ، يقال طلع الجبل واطلع (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) المراد بالأرض : أرض مصر ، والاستكبار : التعظيم بغير استحقاق ، بل بالعدوان لأنه لم يكن له حجة يدفع بها ما جاء به موسى ، ولا شبهة ينصبها في مقابلة ما أظهره من المعجزات (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ) أي : فرعون وجنوده ، والمراد بالرجوع : البعث والمعاد ، قرأ نافع وشيبة وابن محيصن وحميد ويعقوب وحمزة والكسائي «لا يرجعون» بفتح الياء وكسر الجيم مبنيا للفاعل. وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الجيم مبنيا للمفعول ، واختار القراءة الأولى : أبو حاتم ، واختار القراءة الثانية : أبو عبيد (فَأَخَذْناهُ