(قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣))
لما سمع موسى قول الله سبحانه : فذانك برهانان إلى فرعون طلب منه سبحانه أن يقوي قلبه ، ف (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً) يعني : القبطي الذي وكزه فقضى عليه (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) بها (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) لأنه كان في لسان موسى حبسة كما تقدّم بيانه ، والفصاحة لغة الخلوص ، يقال : فصح اللبن وأفصح فهو فصيح ، أي : خلص من الرغوة ، ومنه فصح الرجل : جادت لغته ، وأفصح : تكلم بالعربية. وقيل : الفصيح الذي ينطق ، والأعجم الذي لا ينطق. وأما في اصطلاح أهل البيان فالفصاحة : خلوص الكلمة عن تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس ، وفصاحة الكلام : خلوصه من ضعف التأليف والتعقيد ، وانتصاب (رِدْءاً) على الحال ، والردء : المعين ، من أردأته : أي أعنته ، يقال فلان ردء فلان : إذا كان ينصره ويشدّ ظهره ، ومنه قول الشاعر :
ألم تر أنّ أصرم كان ردئي |
|
وخير النّاس في قلّ ومال |
وحذفت الهمزة تخفيفا في قراءة نافع وأبي جعفر ، ويجوز أن يكون ترك الهمز من قولهم أردى على المائة : إذا زاد عليها ، فكان المعنى أرسله معي زيادة في تصديقي ، ومنه قول الشاعر :
وأسمر خطّيّا كأنّ كعوبه |
|
نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر |
وروي البيت في الصحاح بلفظ قد أربى ، والقسب الصلب ، وهو الثمر اليابس الذي يتفتت في الفم ، وهو صلب النواة (يُصَدِّقُنِي) قرأ عاصم وحمزة يصدقني بالرفع على الاستئناف ، أو الصفة لردءا ، أو لحال من مفعول أرسله ، وقرأ الباقون بالجزم على جواب الأمر ، وقرأ أبي وزيد بن عليّ (يُصَدِّقُونَ) أي : فرعون