وَجُنُودَهُ) بعد أن عتوا في الكفر وجاوزوا الحدّ فيه (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي : طرحناهم في البحر ، وقد تقدّم بيان الكلام في هذا (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) الخطاب لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم أي : انظر يا محمد كيف كان آخر أمر الكافرين ، حين صاروا إلى الهلاك (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي : صيرناهم رؤساء متبوعين مطاعين في الكافرين ، فكأنهم بإصرارهم على الكفر والتمادي فيه ، يدعون أتباعهم إلى النار لأنهم اقتدوا ، وسلكوا طريقتهم تقليدا لهم. وقيل المعنى : إنه يأتمّ بهم ، أي : يعتبر بهم من جاء بعدهم ، ويتعظ بما أصيبوا به ، والأول أولى (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) أي : لا ينصرهم أحد ولا يمنعهم مانع من عذاب الله (وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً) أي : طردا وإبعادا ، أو أمرنا العباد بلعنهم ، فكل من ذكرهم لعنهم ، والأوّل أولى (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) المقبوح : المطرود المبعد. وقال أبو عبيدة وابن كيسان : معناه من المهلكين الممقوتين. وقال أبو زيد : قبح الله فلانا قبحا وقبوحا : أبعده من كل خير. قال أبو عمرو : قبحت وجهه بالتخفيف : بمعنى قبحت بالتشديد ، ومثله قول الشاعر :
ألا قبّح الله البراجم كلّها |
|
وقبّح يربوعا وقبّح دارما |
وقيل : المقبوح المشوّه الخلقة ، والعامل في (يوم) محذوف يفسره من المقبوحين ، والتقدير : وقبحوا يوم القيامة ، أو هو معطوف على موضع في هذه الدنيا ، أي : وأتبعناهم لعنة يوم القيامة ، أو معطوف على لعنة على حذف مضاف ، أي : ولعنة يوم القيامة (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) يعني التوراة و (مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى) أي : قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، وقيل من بعد ما أهلكنا فرعون وقومه وخسفنا بقارون ، وانتصاب (بَصائِرَ لِلنَّاسِ) على أنه مفعول له أو حال ، أي : آتيناه الكتاب لأجل يتبصر به الناس ، أو حال كونه بصائر الناس يبصرون به الحق ، ويهتدون إليه وينقذون أنفسهم به من الضلالة بالاهتداء به (وَرَحْمَةً) لهم من الله رحمهم بها (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) هذه النعم فيشكرون الله ويؤمنون به ويجيبون داعيه إلى ما فيه خير لهم.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي أبي طلحة عن ابن عباس (رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) كي يصدقني. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : لما قال فرعون (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) قال جبريل : يا ربّ طغى عبدك فأذن لي في هلكه ، فقال : يا جبريل هو عبدي ولن يسبقني ، له أجل يجيء ذلك الأجل ، فلما قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) (١) قال الله : يا جبريل سبقت دعوتك في عبدي وقد جاء أوان هلاكه. وأخرج ابن مردويه عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «كلمتان قالهما فرعون : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) وقوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) قال : كان بينهما أربعون عاما (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى)» (٢). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : بلغني أن فرعون أوّل من طبخ الآجرّ. وأخرجه ابن المنذر عن ابن جريج. وأخرج البزار وابن المنذر والحاكم وصححه وابن
__________________
(١). النازعات : ٢٤.
(٢). النازعات : ٢٥.