وقول الآخر :
قليل الألايا حافظ ليمينه |
|
وإن بدرت منه الأليّة برّت |
يقال : ائتلى يأتلي إذا حلف. ومنه قوله سبحانه : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) (١) وقالت فرقة : هو من ألوت في كذا إذا قصرت ، ومنه : لم آل جهدا ، أي : لم أقصر ، وكذا منه قوله : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) (٢) ومنه قول الشاعر :
وما المرء مادامت حشاشة نفسه |
|
بمدرك أطراف الخطوب ولا آل |
والأوّل : أولى بدليل سبب النزول ، وهو ما سيأتي ، والمراد بالفضل : الغنى والسعة في المال (أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : على أن لا يؤتوا. قال الزجاج : أن لا يؤتوا فحذف لا ، ومنه قول الشاعر :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا |
|
ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي |
وقال أبو عبيدة : لا حاجة إلى إضمار لا ، والمعنى : لا يحلفوا على أن لا يحسنوا إلى المستحقين للإحسان الجامعين لتلك الأوصاف ، وعلى الوجه الآخر يكون المعنى : لا يقصروا في أن يحسنوا إليهم وإن كانت بينهم شحناء لذنب اقترفوه ، وقرأ أبو حيوة «إن تؤتوا» بتاء الخطاب على الالتفات. ثم علمهم سبحانه أدبا آخر فقال : (وَلْيَعْفُوا) عن ذنبهم الذي أذنبوه عليهم وجنايتهم التي اقترفوها ، من عفا الربع أي : درس ، والمراد : محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع (وَلْيَصْفَحُوا) بالإغضاء عن الجاني والإغماض عن جنايته ، وقرئ بالفوقية في الفعلين جميعا. ثم ذكر سبحانه ترغيبا عظيما لمن عفا وصفح فقال : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين للإساءة عليكم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي : كثير المغفرة والرحمة لعباده مع كثرة ذنوبهم ، فكيف لا يقتدي العباد بربهم في العفو والصفح عن المسيئين إليهم (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) قد مرّ تفسير المحصنات وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حدّ القذف.
وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة؟ فقال سعيد بن جبير : هي خاصة فيمن رمى عائشة رضي الله عنها. وقال مقاتل : هي خاصة بعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين. وقال الضحاك والكلبي : هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم دون سائر المؤمنين والمؤمنات ، فمن قذف إحدى أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم فهو من أهل هذه الآية. قال الضحاك : ومن أحكام هذه الآية أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلىاللهعليهوسلم ، ومن قذف غيرهنّ فقد جعل الله له التوبة كما تقدّم في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) (٣) وقيل : إن هذه الآية خاصة بمن أصرّ على القذف ولم يتب ، وقيل : إنها تعمّ كلّ قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين ، واختاره النحاس ، وهو الموافق لما قرّره أهل الأصول من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقيل : إنها
__________________
(١). البقرة : ٢٢٦.
(٢). آل عمران : ١٨.
(٣). النور : ٥.