خاصة بمشركي مكة ، لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة إنما خرجت لتفجر. قال أهل العلم : إن كان المراد بهذه الآية المؤمنون من القذفة ، فالمراد باللعنة الإبعاد ، وضرب الحدّ وهجر سائر المؤمنين لهم ، وزوالهم عن رتبة العدالة ، والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين ، وإن كان المراد بها من قذف عائشة خاصة كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ، وإن كانت في مشركي مكة فإنهم ملعونون (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) والمراد بالغافلات : اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهنّ ولا يفطن لها ، وفي ذلك من الدلالة على كمال النزاهة وطهارة الجيب ما لم يكن في المحصنات ، ويقل : هنّ السليمات الصدور النقيات القلوب (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) هذه الجملة مقرّرة لما قبلها مبينة لوقت حلول ذلك العذاب بهم وتعيين اليوم لزيادة التهويل بما فيه من العذاب الذي لا يحيط به وصف. وقرأ الجمهور «يوم تشهد» بالفوقية ، واختار هذه القراءة : أبو حاتم ، وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي وخلف بالتحتية ، واختار هذه القراءة : أبو عبيد لأن الجارّ والمجرور قد حال بين الاسم والفعل. والمعنى : تشهد ألسنة بعضهم على بعض في ذلك اليوم ، وقيل : تشهد عليهم ألسنتهم في ذلك اليوم بما تكلموا به (وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) بما عملوا بها في الدنيا ، وإن الله سبحانه ينطقها بالشهادة عليهم ، والمشهود محذوف وهو ذنوبهم التي اقترفوها ، أي : تشهد هذه عليهم بذنوبهم التي اقترفوها ومعاصيهم التي عملوها (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ) أي : يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم القبيحة ويعطيهم الله جزاءهم عليها موفرا ، فالمراد بالدّين هاهنا : الجزاء ، وبالحق الثابت الذي لا شك في ثبوته. قرأ زيد بن عليّ «يوفيهم» مخففا من أوفى ، وقرأ من عداه بالتشديد من وفّى. وقرأ أبو حيوة ومجاهد «الحق» بالرفع على أنه نعت لله ، وروي ذلك عن ابن مسعود. وقرأ الباقون بالنصب على أنه نعت لدينهم. قال أبو عبيدة : ولولا كراهة خلاف الناس لكان الوجه الرفع ، ليكون نعتا لله عزوجل ولتكون موافقة لقراءة أبيّ ، وذلك أن جرير بن حازم قال : رأيت في مصحف أبي «يوفّيهم الله الحقّ دينهم». وهذا الكلام من أبي عبيدة غير مرضيّ ، لأنه احتج بما هو مخالف للسواد الأعظم ، ولا حجة أيضا فيه ، لأنه لو صحّ أنه في مصحف أبيّ كذلك جاز أن يكون دينهم بدلا من الحقّ (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) أي : ويعلمون عند معاينتهم لذلك ووقوعه على ما نطق به الكتاب العزيز أن الله هو الحقّ الثابت في ذاته وصفاته وأفعاله ، المبين المظهر للأشياء كما هي في أنفسها ، وإنما سمي سبحانه الحقّ لأن عبادته هي الحقّ دون عبادة غيره. وقيل : سمي بالحقّ ، أي : الموجود لأن نقيضه الباطل وهو المعدوم. ثم ختم سبحانه الآيات الواردة في أهل الإفك بكلمة جامعة فقال : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) أي : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، أي : مختصة بهم لا تتجاوزهم ، وكذا الخبيثون مختصون بالخبيثات لا يتجاوزونهن ، وهكذا قوله : (وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وأكثر المفسرين : المعنى : الكلمات الخبيثات من القول للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من الكلمات ، والكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات. قال النحاس : وهذا أحسن ما قيل. قال الزجاج : ومعناه لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ،