لا أبالك ، والله لو نادى مناد من السماء أن الله قد أحلّ الكذب ما كذبت ، حدّثني عروة وسعيد وعبد الله وعلقمة عن عائشة أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبيّ وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن مسروق قال : دخل حسان بن ثابت على عائشة فشبّب (١) وقال :
حصان رزان ما تزنّ بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل |
قالت : لكنك لست كذلك ، قلت : تدعين مثل هذا يدخل عليك ، وقد أنزل الله (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) فقالت : وأيّ عذاب أشدّ من العمى؟. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن بعض الأنصار أن امرأة أبي أيوب قالت له حين قال أهل الإفك ما قالوا : ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال : بلى وذلك الكذب ، أكنت أنت فاعلة يا أمّ أيوب؟ قالت : لا والله ، قال : فعائشة والله خير منك وأطيب ، إنما هذا كذب وإفك باطل ؛ فلما نزل القرآن ذكر الله من قال من الفاحشة ما قال من أهل الإفك. ثم قال : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي : كما قال أبو أيوب وصاحبته. وأخرج الواقدي والحاكم وابن عساكر عن أفلح مولى أبي أيوب أن أمّ أيوب ، فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) قال : يحرّج الله عليكم. وأخرج البخاري في الأدب والبيهقي في شعب الإيمان عن عليّ بن أبي طالب قال : القائل الفاحشة ، والذي شيع بها في الإثم سواء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) قال : ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير.
(وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٥) الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦))
قوله : (وَلا يَأْتَلِ) أي : يحلف وزنه يفتعل من الألية ، وهي اليمين ، ومنه قول الشاعر :
تألّى ابن أوس حلفة ليردّني |
|
إلى نسوة كأنهنّ مفايد |
__________________
(١). جاء في سيرة ابن هشام [٣ / ٣٠٦] : قال حسان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها.